تلك معصية ، لكانت له الحجة إذ عوقب على شيء لم يتقدم إليه في التحذير من فعله ، وأنه يترتب عليه العقاب. وأما ما نصبه الله تعالى من الأدلة العقلية فهي موصلة إلى المعرفة والإيمان بالله على ما يجب ، والعلل في الآية هو غير المعرفة والإيمان بالله ، فلا يرد سؤال الزمخشري. وانتصب رسلا على البدل وهو الذي عبر عنه الزمخشري بانتصابه على التكرير. قال : والأوجه أن ينتصب على المدح. وجوّز غيره أن يكون مفعولا بأرسلنا مقدرة ، وأن يكون حالا موطئة. ولئلا متعلقة بمنذرين على طريق الإعمال. وجوّز أن يتعلق بمقدر أي : أرسلناهم بذلك أي : بالبشارة والنذارة لئلا يكون.
(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي لا يغالبه شيء ، ولا حجة لأحد عليه ، صادرة أفعاله عن حكمة ، فلذلك قطع الحجة بإرسال الرسل. وقيل : عزيزا في عقاب الكفار ، حكيما في الأعذار بعد تقدم الإنذار.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) الاستدراك بلكن يقتضي تقدم جملة محذوفة ، لأنّ لكن لا يبتدأ بها ، فالتقدير ما روي في سبب النزول وهو : أنه لما نزل إنا أوحينا إليك قالوا : ما نشهد لك بهذا ، لكن الله يشهد ، وشهادته تعالى بما أنزله إليه إثباته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات. وقرأ السلمي والجراح الحكمي : لكنّ الله بالتشديد ، ونصب الجلالة. وقرأ الحسن بما أنزل إليك مبنيا للمفعول.
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) قرأ السلمي : نزّله مشددا. قال الزجاج : أنزله وفيه علمه. وقال أبو سليمان الدمشقي : أنزله من علمه. وقال ابن جريج : أنزله إليك بعلم منه أنك خيرته من خلقه. وقيل : أنزله إليك بعلمه أنك أهل لإنزاله عليك لقيامك بحقه ، وعلمك بما فيه ، وحسن دعائك إليه ، وحثك عليه. وقيل : بما يحتاج إليه العباد. وقيل : بعلمه أنّك تبلغه إلى عباده من غير تبديل ولا زيادة ولا نقصان. قال ابن عطية : هذه الآية من أقوى متعلقات أهل السنة في إثبات علم الله تعالى ، خلافا للمعتزلة في أنهم يقولون : عالم بلا علم. والمعنى عند أهل السنة : أنزله وهو يعلم إنزاله ونزوله. ومذهب المعتزلة في هذه الآية : أنه أنزله مقترنا بعلمه ، أي فيه علمه من غيوب وأوامر ونحو ذلك ، فالعلم عبارة عن المعلومات التي في القرآن كما هو في قول الخضر ، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما ينقص هذا العصفور من هذا البحر. وقال الزمخشري : أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره ، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان ، وموقعه مما قبله