قال الجمهور : وإكماله هو إظهاره ، واستيعاب عظم فرائضه ، وتحليله وتحريمه. قالوا : وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآيات الربا ، وآية الكلالة ، وغير ذلك ، وإنما كمل معظم الدين ، وأمر الحج ، إن حجوا وليس معهم مشرك. وخطب الزمخشري في هذا المعنى فقال : كفيتكم أمر عدوكم ، وجعلت اليد العليا لكم ، كما تقول الملوك : اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد إذا كفوا من ينازعهم الملك ، ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم. أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه من تعليم الحلال والحرام ، والتوقيف على الشرائع ، وقوانين القياس ، وأصول الاجتهاد انتهى. وهذا القول الثاني هو : قول ابن عباس والسدي قالا : إكمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، فعلى هذا يكون المعنى : أكملت لكم شرائع دينكم. وقال قتادة وابن جبير : كما له أن ينفي المشركين عن البيت ، فلم يحج مشرك. وقال الشعبي : كمال الدين هو عزه وظهوره ، وذل الشرك ودروسه ، لا تكامل الفرائض والسنن ، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض. وقيل : إكماله إلا من من نسخه بعده كما نسخ به ما تقدّم. وقال القفال : الدين ما كان ناقصا البتة ، بل كانت الشرائع تنزل في كل وقت كافية في ذلك الوقت ، إلا أنه تعالى كان عالما في أول المبعث بأنّ ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ، وكان ينسخ بعد الثبوت ويزيد بعد العدم ، وأما في آخر زمان المبعث فأنزل شريعة كاملة ، وأحكم ثباتها إلى يوم القيامة. وروي أن هذه الآية لما نزلت يوم الحج الأكبر ، وقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكى عمر بن الخطاب فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما يبكيك؟» فقال : أبكاني أنا كنا في زيادة ديننا ، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «صدقت».
(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أي في ظهور الإسلام ، وكمال الدين ، وسعة الأحوال ، وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية ، إلى دخول الجنة ، والخلود ، وحسّن العبارة الزمخشري فقال : بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين ، وهدم منار الجاهلية ومناسكهم ، وإن لم يحج مشرك ولم يطف بالبيت عريان انتهى. فكلامه مجموع أقوال المتقدّمين. قال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة : إتمام النعمة منع المشركين من الحج. وقال السدي : هو الإظهار على العدو. وقال ابن زيد : بالهداية إلى الإسلام. وقال الزمخشري : وأتممت عليكم نعمتي بإكمال أمر الدين والشرائع كأنه قال : وأتممت عليكم نعمتي بذلك ، لأنه لا نعمة أتم من نعمة الإسلام.
(وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) يعني : اخترته لكم من بين الأديان ، وأذنتكم بأنه هو