(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) سبب نزولها فيما قال : عكرمة ومحمد بن كعب ، سؤال عاصم بن عدي وسعيد بن خيثمة وعويمر بن ساعدة. ماذا يحل لنا من هذه الكلاب؟ وكان إذ ذاك أمر الرسول بقتلها فقتلت حتى بلغت العواصم لقول جبريل عليهالسلام : «إنا لا ندخل بيتا فيه كلب» وفي صحيح أبي عبد الله الحاكم بسنده إلى أبي رافع.
قال : «أمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل الكلاب» ، فقال الناس : يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فأنزل الله تعالى يسألونك ماذا أحل لهم الآيات. وقال ابن جبير : نزلت في عدي بن حاتم وزيد الخيل قالا : يا رسول الله ، إنا نصيد بالكلاب والبزاة ، وإن كلاب آل درع وآل أبي حورية لتأخذ البقر والحمر والظباء والضب ، فمنه ما ندرك ذكاته ، ومنه ما يقتل فلا ندرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت. وعلى اعتبار السبب يكون الجواب أكثر مما وقع السؤال عنه ، لأنهم سألوا عن شيء خاص من المطعم ، فأجيبوا بما سألوا عنه ، وبشيء عام في المطعم.
ويحتمل أن يكون ماذا كلها استفهاما ، والجملة خبر. ويحتمل أن يكون ما استفهاما ، وذا خبرا. أي : ما الذي أحل لهم؟ والجملة إذ ذاك صلة. والظاهر أنّ المعنى : ماذا أحل لهم من المطاعم ، لأنه لما ذكر ما حرم من الميتة وما عطف عليه من الخبائث ، سألوا عما يحل لهم؟ ولما كان يسألونك الفاعل فيه ضمير غائب قال لهم بضمير الغائب. ويجوز في الكلام ماذا أحل لنا ، كما تقول : أقسم زيد ليضربن ولأضربن ، وضمير التكلم يقتضي حكاية ما قالوا كما لأضربن يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها. وقال الزمخشري : في السؤال معنى القول ، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم ، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم انتهى. ولا يحتاج إلى ما ذكر ، لأنه من باب التعليق كقوله : سلهم أيهم بذلك زعيم ، فالجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني ليسألونك. ونصّوا على أنّ فعل السؤال يعلق ، وإن لم يكن من أفعال القلوب ، لأنه سبب للعلم ، فكما تعلق العلم فكذلك سببه. وقال أبو عبد الله الرازي : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحل لهم ومعلوم أن ذلك باطل ، لأنهم لا يقولون ذلك ، وإنما يقولون : ماذا أحل لنا. بل الصحيح : أنّ هذا ليس حكاية كلامهم بعبارتهم ، بل هو بيان كيفية الواقعة انتهى.
(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) لما كانت العرب تحرم أشياء من الطيبات كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، بغير إذن من الله تعالى ، قرر هنا أنّ الذي أحل هي الطيبات.