(مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (١) ثم قال بعد (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٢) (قلت) : إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار ، ولا يطلق على مسلم أنه من أهل الكتاب ، كما لا يطلق عليه يهودي ولا نصراني. فأما الآيتان فأطلق الاسم مقيدا بذكر الإيمان فيهما ، ولا يوجد مطلقا في القرآن بغير تقييد ، إلا والمراد بهم اليهود والنصارى. وأيضا فإنه قال : والمحصنات من المؤمنات ، فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممن كن مشركات أو كتابيات ، فوجب أن يحمل قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وإلّا زالت فائدته ، إذ قد اندرجن في قوله : والمحصنات من المؤمنات. وأيضا فمعلوم من قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (٣) أنه لم يرد به طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب ، بل المراد اليهود والنصارى ، فكذلك هذه الآية.
(فإن قيل) : يتعلق في تحريم الكتابيات بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٤) (قيل) : هذا في الحربية إذا خرج زوجها مسلما ، أو الحربي تخرج امرأته مسلمة : ألا ترى إلى قوله : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) (٥) ولو سلمنا العموم لكان مخصوصا بقوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، والظاهر جواز نكاح الحربية الكتابية لاندراجها في عموم. والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. وخص ابن عباس هذا العموم بالذمية ، فأجاز نكاح الذمية دون الحربية ، وتلا قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) إلى قوله (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٦) ولم يفرق غيره من الصحابة من الحربيات والذميات. وأما نصارى بني تغلب فمنع نكاح نسائهن عليّ وابراهيم وجابر بن زيد ، وأجازه ابن عباس.
(إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن. وانتزع العلماء من هذا أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل لها من المهر ما يستحلها به ، ومن جوز أن يدخل دون بذل ذلك رأى أنه محكم الالتزام في حكم المؤتى. وفي ظاهر قوله : إذا آتيتموهن أجورهن ، دلالة على أنّ إماء الكتابيات لسن مندرجات في قوله : والمحصنات ، فيقوى أن
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١١٣
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١١٤
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٥.
(٤) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٠.
(٥) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٠.
(٦) سورة التوبة : ٢٩.