الآية على أن موالاة أفعال الوضوء ليست بشرط في صحته لقبول الآية التقسيم في قولك : متواليا وغير متوال ، وهو مشهور مذهب أبي حنيفة ومالك ، وروي عن مالك والشافعي في القديم : أنها شرط. وعلى أن الترتيب في الأفعال ليس بشرط لعطفها بالواو وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ، ومذهب الشافعي أنه شرط واستيفاء حجج هذه المسائل مذكورة في الفقه ، ولم تتعرّض الآية للنص على الأذنين. فمذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري ، والأوزاعي ، ومالك فيما روى عنه أشهب وابن القاسم : أنهما من الرأس فيمسحان. وقال الزهري : هما من الوجه فيغسلان معه. وقال الشافعي : من الوجه هما عضو قائم بنفسه ، ليسا من الوجه ولا من الرأس ، ويمسحان بماء جديد. وقيل : ما أقبل منهما من الوجه وما أدبر من الرأس ، وعلى هذه الأقوال تبنى فرضية المسح أو الغسل وسنية ذلك.
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) لما ذكر تعالى الطهارة الصغرى ذكر الطهارة الكبرى ، وتقدم مدلول الجنب في (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) (١) والظاهر أنّ الجنب مأمور بالاغتسال. وقال عمر ، وابن مسعود : لا يتيمم الجنب البتة ، بل يدع الصلاة حتى يجد الماء ، والجمهور على خلاف ذلك ، وأنه يتيمم ، وقد رجعا إلى ما عليه الجمهور. والظاهر أنّ الغسل والمسح والتطهر إنما تكون بالماء لقوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) (٢) أي للوضوء والغسل فتيمموا صعيدا طيبا فدل على أنه لا واسطة بين الماء والصعيد ، وهو قول الجمهور. وذهب الأوزاعي والأصم : إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة. والظاهر أنّ الجنب لا يجب عليه غير التطهير من غير وضوء. ولا ترتيب في الأعضاء المغسولة ، ولا دلك ، ولا مضمضة ، ولا استنشاق ، بل الواجب تعميم جسده بوصول الماء إليه. وقال داود وأبو ثور : يجب تقديم الوضوء على الغسل. وقال إسحاق : تجب البداءة بأعلى البدن. وقال مالك : يجب الدلك ، وروى عنه محمد بن مروان الظاهري : أنه يجزئه الانغماس في الماء دون تدلك. وقال أبو حنيفة : وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والليث ، وأحمد : تجب المضمضة والاستنشاق فيه ، وزاد أحمد الوضوء. وقال النخعي : إذا كان شعره مفتولا جدّا يمنع من وصول الماء إلى جلدة الرأس لا يجب نقضه. وقرأ الجمهور : فاطّهروا بتشديد الطاء والهاء المفتوحتين ، وأصله : تطهروا ، فأدغم التاء في الطاء ، واجتلبت همزة الوصل. وقرئ : فاطهروا بسكون الطاء ، والهاء مكسورة من أطهر رباعيا ، أي : فأطهروا أبدانكم ، والهمزة فيه للتعدية.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٣.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٦.