(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لما ذكر تعالى أوامر ونواهي ذكر وعده من اتبع أوامره واجتنب نواهيه ، ووعد تتعدى لأنين ، والثاني محذوف تقديره : الجنة ، وقد صرح بها في غير هذا الموضع. والجملة من قوله : لهم مغفرة ، مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب ، لأن الجنة مترتبة على الغفران وحصول الأجر. وإذا كانت الجملة مفسرة فلا موضع لها من الإعراب ، والكلام قبلها تام وجعل الزمخشري قوله : لهم مغفرة وأجر عظيم ، بيانا للوعد قال : كأنه قال : قدم لهم وعدا فقيل : أي شيء وعده؟ فقال لهم : مغفرة وأجر عظيم. أو يكون على إرادة القول وعدهم وقال لهم : مغفرة ، أو على إجراء وعد مجرى قال : لأنه ضرب من القول ، أو يجعل وعد واقعا على الجملة التي هي مغفرة ، كما رفع تركنا على قوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (١) كأنه قيل : وعدهم هذا القول ، وإذا وعدهم من لا يخلف الميعاد فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم ، وهذا القول يتلقونه عند الموت ويوم القيامة ، فيسرون ويستريحون إليه ، وتهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى التراب انتهى. وهي تقادير محتملة ، والأول أوجهها. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) لما ذكر ما لمن آمن ، ذكر ما لمن كفر. وفي المؤمنين جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع ، فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به ، متشوفة إليه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق. وفي الكافرين جاءت الجملة اسمية دالة على ثبوت هذا الحكم لهم ، وأنهم أصحاب النار ، فهم دائمون في عذاب ، إذ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم ، ولم يأت بصورة الوعيد ، فكان يكون الرجاء لهم في ذلك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) روى أبو صالح عن ابن عباس : أنها نزلت من أجل كفار قريش ، وقد تقدم ذكرهم في قوله : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) (٢) وبه قال مقاتل ، وقال الحسن : بعثت قريش رجلا ليقتل الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فأطلعه الله على ذلك. وقال مجاهد وقتادة : إنه عليهالسلام ذهب إلى يهود بني النضير يستعينهم في دية فهموا بقتله. وقال جماعة من المفسرين : أتى بني قريظة ومعه أبو بكر وعمر وعلي رضياللهعنهم يستقرضهم دية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ حسبهما
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٧٩.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٢.