موسى. ونعمة الله يراد بها الجنس ، والمعنى : واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوّتك. وينتظم في ذلك ذكر نعم الله عليهم ، وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة. وعدّد عليهم من نعمه ثلاثا : الأولى : جعل أنبياء فيهم وذلك أعظم الشرف ، إذ هم الوسائط بين الله وبين خلقه ، والمبلغون عن الله شرائعه. قيل : لم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء. وقال ابن السائب ومقاتل : الأنبياء هنا هم السبعون الذين اختارهم موسى لميقات ربه ، وكانوا من خيار قومه. وقيل : هم الذين أرسلوا من بعد في بني إسرائيل كموسى ذكره الماوردي وغيره ، وعلى هذا القول يكون جعل لا يراد بها حقيقة الماضي بالفعل ، إذ بعضهم كان قد ظهر عند خطاب موسى إياهم ، وبعضهم لم يخلق بل أخبر أنه سيكون فيهم. الثانية : جعلهم ملوكا ظاهره الامتنان عليهم بأن جعلهم ملوكا إذ جعل منهم ملوكا ، إذ الملك شرف في الدنيا واستيلاء ، فذكرهم بأن منهم قادة الآخرة وقادة الدنيا. وقال السدي وغيره : وجعلكم أحرارا تملكون ولا تملكون ، إذ كنتم خدما للقبط فأنقذكم منهم ، فسمي استنقاذكم ملكا. وقال قوم : جعلهم ملوكا بإنزال المن والسلوى عليهم وتفجير الحجر لهم ، وكون ثيابهم لا تبلى ولا تنسخ وتطول كلما طالوا ، فهم ملوك لرفع هذه الكلف عنهم. وقال قتادة : ملوكا لأنهم أول من اتخذ الخدام واقتنوا الأرقاء. وقال ابن عطية وقتادة : وإنما قال وجعلكم ملوكا ، لأنا كنا نتحدث أن أول من خدمه آخر من بني آدم. قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لأن القبط كانوا يستخدمون بني إسرائيل. وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم يسخر بعضا مدة تناسلوا وكثروا انتهى.
وهذه الأقوال الثلاثة عامة في جميع بني إسرائيل ، وهو ظاهر قوله : وجعلكم ملوكا. وقال عبد الله بن عمر ، والحسن ، ومجاهد ، وجماعة : من كان له مسكن وامرأة وخادم فهو ملك. وقيل : من له مسكن ولا يدخل عليه فيه إلا بإذن فهو ملك. وقيل : من له زوجة وخادم ، وروي هذا عن ابن عباس. وقال عكرمة : من ملك عندهم خادما وبيتا دعي عندهم ملكا. وقيل : من له منزل واسع فيه ماء جار. وقيل : من له مال لا يحتاج فيه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق. وقيل : ملوك لقناعتهم ، وهو ملك خفي. ولهذا جاء في الحديث : «القناعة كنز لا ينفد». وقيل : لأنهم ملكوا أنفسهم وذادوها عن الكفر ومتابعة فرعون. وقيل : ملكوا شهوات أنفسهم ذكر هذه الأقوال الثلاثة التبريزي في تفسيره. الثالثة : إيتاؤه إياهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، فسره ابن عباس فيما روى عنه مجاهد : بالمن والسلوى ، والحجر ، والغمام. وروى عنه عطاء الدار والزوجة والخادم. وقيل : كثرة