المفسرين أنّ الرجلين هما يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف وهو ابن أخت موسى ، وكالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران ويقال فيه : كلاب ، ويقال : كالوب ، وهما اللذان وفيا من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة فكتما ما اطلعا عليه من حال الجبابرة إلا عن موسى ، وأفشى ذلك بقية النقباء في أسباطهم فآل بهم ذلك إلى الخور والجبن بحيث امتنعوا عن القتال. وقيل : الرجلان كانا من الجبارين آمنا بموسى واتبعاه ، وأنعم الله عليهما بالإيمان. فإن كان الرجلان هما يوشع وكالب فمعنى قوله : يخافون ، أي : يخافون الله ، ويكون إذ ذاك مع موسى أقوام يخافون الله فلا يبالون بالعدو لصحة إيمانهم وربط جأشهم ، وهذان منهم. أو يخافون العدو ، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان والثبات ، أو يخافهم بنو إسرائيل فيكون الضمير في يخافون عائدا على بني إسرائيل ، والضمير الرابط للصلة بالموصول محذوفا تقديره : من الذين يخافونهم أي : يخافهم بنو إسرائيل. ويدل على هذا التأويل قراءة ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، يخافون بضم الياء. وتحتمل هذه القراءة أن يكون الرجلان يوشع وكالب. ومعنى يخافون أي : يهابون ويوقرون ويسمع كلامهم لتقواهم وفضلهم ، ويحتمل أن يكون من أخاف أي يخيفون : بأوامر الله ونواهيه وزجره ووعيده ، فيكون ذلك مدحا لهم كقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) (١) والجملة من أنعم الله عليهما صفة لقوله : رجلان ، وصفا أولا بالجار والمجرور ، ثم ثانيا بالجملة. وهذا على الترتيب الأكثر في تقديم المجرور أو الظرف على الجملة إذا وصفت بهما ، وجوز أن تكون الجملة حالا على إضمار قد ، وأن تكون اعتراضا ، فلا يكون لها موضع من الإعراب. وفي قراءة عبد الله. أنعم الله عليهما ويلكم ادخلوا عليهم الباب. والباب : باب مدينة الجبارين ، والمعنى : اقدموا على الجهاد وكافحوا حتى تدخلوا عليهم الباب ، وهذا يدل على أنّ موسى كان قد أنزل محلته قريبا من المدينة.
(فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) قالا ذلك ثقة بوعد الله في قوله : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (٢). وقيل : رجاء لنصر الله رسله ، وغلب ذلك على ظنهم. وما غزى قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا ، وإذا لم يكونوا حافظي باب مدينتهم حتى دخل وهو المهم ، فلأن لا يحفظوا ما وراء الباب أولى. وعلى قول أنّ الرجلين كانا من الجبارين فقيل : إنهما قالا
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٣.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٢١.