إلى أنه مرفوع على فعل أمر محذوف يمكن رفعه الظاهر ، فيكون من عطف الجمل التقدير : فاذهب وليذهب ربك. وذهب بعض الناس إلى أن الواو واو الحال ، وربك مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف. أو تكون الجملة دعاء والتقدير فيهما : وربك يعينك ، وهذا التأويل فاسد بقوله فقاتلا.
(إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) هذا دليل على أنهم خارت طباعهم فلم يقدروا على النهوض معه للقتال ، ولا على الرجوع من حيث جاءوا ، بل أقاموا حيث كانت المحاورة بين موسى وبينهم. وها من قوله هاهنا للتنبيه ، وهنا ظرف مكان للقريب ، والعامل فيه قاعدون. ويجوز في مثل هذا التركيب أن يكون الخبر الظرف وما بعده حال فينتصب ، وأن يكون الخبر الاسم والظرف معمول له. وهو أفصح.
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) لما عصوا أمر الله وتمردوا على موسى وسمع منهم ما سمع من كلمة الكفر وسوء الأدب مع الله ولم يبق معه من يثق به إلا هارون قال ذلك ، وهذا من الكلام المنطوي صاحبه على الالتجاء إلى الله والشكوى إليه ، ورقة القلب التي تستجلب الرّحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) (١) وعن علي أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال المنافقين فما أجابه إلا رجلان ، فتنفس الصعداء ودعا لهما وقال : أين تتبعان مما أريد؟ والظاهر إنّ وأخي معطوف على نفسي ، ويحتمل أن يكون وأخي مرفوعا بالابتداء ، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه أي : وأخي لا يملك إلا نفسه ، فيكون قد عطف جملة غير مؤكدة على جملة مؤكدة ، أو منصوبا عطفا على اسم إنّ أي : وإن أخي لا يملك إلا نفسه ، والخبر محذوف ، ويكون قد عطف الاسم والخبر على الخبر نحو : إن زيدا قائم وعمرا شاخص ، أي : وإنّ عمرا شاخص. وأجاز ابن عطية والزمخشري أن يكون وأخي مرفوعا عطفا على الضمير المستكن في أملك ، وأجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور. ويلزم من ذلك أنّ موسى وهارون عليهماالسلام لا يملكان إلا نفس موسى فقط ، وليس المعنى على ذلك ، بل الظاهر أنّ موسى يملك أمر نفسه وأمر أخيه فقط. وجوز أيضا أن يكون مجرورا معطوفا على ياء المتكلم في نفسي ، وهو ضعيف على رأي البصريين. وكأنه في هذا الحصر لم يثق بالرجلين اللذين قالا : ادخلوا عليهم الباب ، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما عاين من أحوال
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٦.