التيه. قال ابن عطية : ولم يختلف في هذا. وروي : أنّ موسى مات في التيه بعد هارون بثمانية أعوام. وقيل : بستة أشهر ونصف. وقيل : بسنة ونبأ الله يوشع بعد كمال الأربعين سنة فصدقه بنو إسرائيل ، وأخبرهم أن الله تعالى أمره بقتال الجبابرة فصدّقوه وبايعوه ، وسار فيهم إلى أريحا وقتل الجبارين وأخرجهم ، وصار الشام كله لبني إسرائيل. وفي تلك الحرب وقفت له الشمس ساعة حتى استمر هزم الجبارين ، وقد ألمّ بذكر وقوف الشمس ليوشع أبو تمام في شعره فقال :
فردت علينا الشمس والليل راغم |
|
بشمس بدت من جانب الخدر تطلع |
نضا ضوؤها صبغ الدجنة وانطوى |
|
لبهجتها ثوب السماء المجزع |
فو الله ما أدري أأحلام نائم |
|
ألمت بنا أم كان في الركب يوشع |
والظاهر أن العامل في قوله : أربعين محرمة ، فيكون التحريم مقيدا بهذه المدة ، ويكون يتيهون مستأنفا أو حالا من الضمير في عليهم. ويجوز أن يكون العامل يتيهون أي : يتيهون هذه المدة في الأرض ، ويكون التحريم على هذا غير مؤقت بهذه المدة ، بل يكون إخبارا بأنهم لا يدخلونها ، وأنهم مع ذلك يتيهون في الأرض أربعين سنة يموت فيها من مات. وروي أنه من كان جاوز عشرين سنة لم يعش إلى الخروج من التيه ، وأنّ من كان دون العشرين عاشوا ، كأنه لم يعش المكلفون العصاة ، أشار إلى ذلك الزجاج ، ولذلك ذهب إلى أن العامل في أربعين محرمة. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون العامل في أربعين مضمرا يدل عليه يتيهون المتأخر انتهى. ولا أدري ما الحامل له على قوله : إن العامل مضمر كما ذكر؟ بل الذي جوز الناس في ذلك أن يكون العامل فيه يتيهون نفسه ، لا مضمر يفسره قوله : يتيهون في الأرض. والأرض التي تاهوا فيها على ما حكى طولها ثلاثون ميلا ، في عرض ستة فراسخ ، وهو ما بين مصر والشام. وقال ابن عباس : تسعة فراسخ ، قال مقاتل : هذا عرضها ، وطولها ثلاثون فرسخا. وقيل : ستة فراسخ في طول اثنى عشر فرسخا ، وقيل : تسعة فراسخ. وتظافرت أقوال المفسرين على أن هذا التيه على سبيل خرق العادة ، فإنه عجيب من قدرة الله تعالى ، حيث جاز على جماعة من العقلاء أن يسيروا فراسخ يسيرة ولا يهتدون للخروج منها. روي أنهم كانوا يرحلون بالليل ويسيرون ليلهم أجمع ، حتى إذا أصبحوا وجدوا جملتهم في الموضع الذي ابتدأوا منه ، ويسيرون النهار جادين حتى إذا أمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، فيكون سيرهم تحليقا. قال مجاهد