وأصل النداء أن يكون لمن يعقل ، ثم قد ينادي ما لا يعقل على سبيل المجاز كقولهم : يا عجبا ويا حسرة ، والمراد بذلك التعجب. كأنه قال : انظروا لهذا العجب ولهذه الحسرة ، فالمعنى : تنبهوا لهذه الهلكة. وتأويله هذا أوانك فاحصري. وقرأ الجمهور : يا ويلتا بألف بعد التاء ، وهي بدل من ياء المتكلم ، وأصله يا ويلتي بالياء ، وهي قراءة الحسن. وأمال حمزة والكسائي وأبو عمر وألف ويلتي. وقرأ الجمهور : أعجزت بفتح الجيم. وقرأ ابن مسعود ، والحسن ، وفياض ، وطلحة ، وسليمان : بكسرها وهي لغة شاذة ، وإنما مشهور الكسر في قولهم : عجزت المرأة إذا كبرت عجيزتها. وقرأ الجمهور : فأواري بنصب الياء عطفا على قوله : أن أكون. كأنه قال : أعجزت أن أواري سوءة أخي. وقال الزمخشري : فأواري بالنصب على جواب الاستفهام انتهى. وهذا خطأ فاحش ، لأن الفاء الواقعة جوابا للاستفهام تنعقد من الجملة الاستفهامية والجواب شرط وجزاء ، وهنا تقول : أتزورني فأكرمك ، والمعنى : إن تزرني أكرمك. وقال تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) (١) أي إن يكن لنا شفعاء يشفعوا. ولو قلت هنا : إن أعجز أن أكون مثل هذا الغراب أوار سوءة أخي لم يصح ، لأن المواراة لا تترتب على عجزه عن كونه مثل الغراب. وقرأ طلحة بن مصرف ، والفياض بن غزوان : فأواري بسكون الياء ، فالأولى أن يكون على القطع أي : فأنا أواري سوءة أخي ، فيكون أواري مرفوعا. وقال الزمخشري : وقرئ بالسكون على فأنا أواري ، أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف انتهى. يعني : أنه حذف الحركة وهي الفتحة تخفيفا استثقلها على حرف العلة. وقال ابن عطية : هي لغة لتوالي الحركات انتهى. ولا ينبغي أن يخرج على النصب ، لأن نصب مثل هذا هو بظهور الفتحة ، ولا تستثقل الفتحة فتحذف تخفيفا كما أشار إليه الزمخشري ، ولا ذلك لغة كما زعم ابن عطية ، ولا يصلح التعليل بتوالي الحركات ، لأنه لم يتوال فيه الحركات. وهذا عند النحويين ـ أعني النصب ـ بحذف الفتحة ، لا يجوز إلا في الضرورة ، فلا تحمل القراءة عليها إذا وجد حملها على وجه صحيح ، وقد وجد وهو الاستئناف أي : فأنا أواري. وقرأ الزهري : سوة أخي بحذف الهمزة ، ونقل حركتها إلى الواو. ولا يجوز قلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لأن الحركة عارضة كهي في سمول وجعل. وقرأ أبو حفص : سوة بقلب الهمزة واوا ، وأدغم الواو فيه ، كما قالوا في شيء شي ، وفي سيئة سية. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٣.