الفساد المشار إليه بعد هذه الآية. وقال ابن عطية : لم يتخلص التشبيه إلى طرفي شيء من هذه الأقوال ، والذي أقول : إنّ التشبيه بين قاتل النفس وقاتل الكل لا يطرد من جميع الجهات ، لكن الشبه قد يحصل من ثلاث جهات. إحداها : القود فإنه واحد. والثانية : الوعيد ، فقد وعد الله قاتل النفس بالخلود في النار ، وتلك غاية العذاب. فإن ترقبناه يخرج من النار بعد ذلك بسبب التوحيد ، فكذلك قاتل الجميع أن لو اتفق ذلك. والثالثة : انتهاك الحرمة فإن نفسا واحدة في ذلك وجميع الأنفس سواء ، والمنتهك في واحدة ملحوظ بعين منتهك الجميع. ومثال ذلك رجلان حلفا على شجرتين أن لا يطعما من ثمرتيهما شيئا ، فطعم أحدهما واحدة من ثمرة شجرته ، وطعم الآخر ثمر شجرتيه كله ، فقد استويا في الحنث انتهى. وقال غيره : قيل المشابهة في الإثم ، والمعنى : أن عليه إثم من قتل الناس جميعا قاله : الحسن والزجاج. وقيل : التشبيه في العذاب ومعناه أنه يصلى النار بقتل المسلم ، كما لو قال قتل الناس قاله : مجاهد وعطاء ، وهذا فيه نظر. لأن العذاب يخفف ويثقل بحسب الجرائم. وقيل : التشبيه من حيث القصاص قاله : ابن زيد. وتقدم. وقيل : التشبيه من جهة الإنكار على قبح الفعل والمعنى : أنه ينبغي لجميع الناس أن يعينوا وليّ المقتول حتى يقيدوه منه ، كما لو قتل أولياءهم جميعا ذكره : القاضي أبو يعلى. وهذا الأمر كان مختصا ببني إسرائيل ، غلظ عليهم كما غلظ عليهم بقتل أنفسهم. قاله بعض العلماء. وقال قوم : هذا عام فيهم وفي غيرهم. قال سليمان بن عليّ : قلت : للحسن يا أبا سعيد هي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ قال : أي والذي لا إله غيره ، ما كان دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا. وقيل في قوله : ومن أحياها أي : استنقذها من الهلكة. قال عبد الله ، والحسن ، ومجاهد أي من غرق أو حرق أو هلاك. وقيل من عضد نبيا أو إماما عادلا ، لأن نفعه عائد على الناس جميعا. وقيل : من ترك قتل النفس المحرمة فكأنما أحيا الناس بكفه أذاه عنهم. وقيل : من زجر عن قتل النفس ونهى عنه. وقيل : من أعان على استيفاء القصاص لأنه قال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١). قال الحسن : وأعظم إحيائها أن يحييها من كفرها ، ودليله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) (٢) انتهى والإحياء هنا مجاز ، لأنّ الإحياء حقيقة هو لله تعالى ، وإنما المعنى : ومن استسقاها ولم يتلفها ، ومثل هذا المجاز قول محاج ابراهيم : أنا أحيي سمي الترك إحياء.
(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٩.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.