وهذا الاستثناء قيل : منقطع ، وقيل : إنه متصل. قال الزمخشري : (فإن قلت) : بم تعلق أن يصدقوا؟ وما محله؟ (قلت) : تعلق بعليه ، أو بمسلمة. كأن قيل : وتجب عليه الدية أو يسلمها ، إلا حين يتصدقون عليه ، ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان كقولهم : اجلس ما دام زيد جالسا ، ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى : إلا متصدقين انتهى كلامه. وكلا التخريجين خطأ. أما جعل أن وما بعدها ظرفا فلا يجوز ، نص النحويون على ذلك ، وأنه مما انفردت به ما المصدرية ومنعوا أن تقول : أجيئك أن يصيح الديك ، يريد وقت صياح الديك. وأما أن ينسبك منها مصدر فيكون في موضع الحال ، فنصوا أيضا على أن ذلك لا يجوز. قال سيبويه في قول العرب : أنت الرجل أن تنازل أو أن تخاصم ، في معنى أنت الرجل نزالا وخصومة ، أنّ انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله ، لأن المستقبل لا يكون حالا ، فعلى هذا الذي قررناه يكون كونه استثناء منقطعا هو الصواب. وقرأ الجمهور يصدقوا ، وأصله يتصدقوا ، فأدغمت التاء في الصاد. وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : تصدقوا بالتاء على المخاطبة للحاضرة. وقرئ : تصدقوا بالتاء وتخفيف الصاد ، وأصله تتصدقوا ، فحذف إحدى التاءين على الخلاف في أيهما هي المحذوفة. وفي حرف أبيّ وعبد الله : يتصدقوا بالياء والتاء.
(فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) قال ابن عباس وقتادة والنخعي والسدي وعكرمة وغيرهم : المعنى إن كان هذا المقتول خطأ رجلا مؤمنا قد آمن وبقي في قومه وهم كفرة عدوّ لكم فلا دية فيه ، وإنما كفارته تحرير رقبة. والسبب عندهم في نزولها : أنّ جيوش المسلمين كانت تمر بقبائل الكفرة ، فربما قتل من آمن ولم يهاجر ، أو من هاجر ثم رجع إلى قومه ، فيقتل في حملات الحرب على أنه من الكفار ، فنزلت الآية. وسقطت الدية عند هؤلاء ، لأن أولياء المقتول كفرة ، فلا يعطون ما يتقّوون به. ولأنّ حرمته إذا آمن ولم يهاجر قليلة فلا دية. وإذا قتل مؤمنا في بلاد المسلمين وقومه حرب ، ففيه الدية لبيت المال والكفارة. وقالت فرقة : الوجه في سقوط الدية أنّ أولياءه كفار ، سواء أكان القتل خطأ بين أظهر المسلمين وبين قومه ولم يهاجر ، ولو هاجر ثم رجع إلى قومه ، وكفارته ليس إلا التحرير ، لأنه إن قتل بين أظهر قومه فهو مسلط على نفسه ، أو بين أظهر المسلمين فأهله لا يستحقون الدية ، ولا المسلمون لأنهم ليسوا أهله ، فلا تجب على الحالين ، هذا قول : مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأبي ثور. وقال ابراهيم :