مسلم إلى دخول دار الشرك. وقال ابن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والزهري ، والضحاك : النفي من دار الإسلام إلى دار الشرك. وقال عمر بن عبد العزيز وجماعة : ينفى من بلد إلى غيره مما هو قاص بعيد. وقال أبو الزناد : كان النفي قديما إلى دهلك وناصع ، وهما من أقصى اليمن. وقال الزمخشري : دهلك في أقصى تهامة ، وناصع من بلاد الحبشة. وقال أبو حنيفة : النفي السجن ، وذلك إخراجه من الأرض. قال الشاعر : قال ذلك وهو مسجون :
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها |
|
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا |
إذا جاءنا السجان يوما لحاجة |
|
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا |
وتعجبنا الرؤيا بحل حديثنا |
|
إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا |
والظاهر أن نفيه من الأرض هو إخراجه من الأرض التي حارب فيها إن كانت الألف واللام للعهد فينفى من ذلك العمل ، وإن كانت للجنس فلا يزال يطلب ويزعج وهو هارب ، فزع إلى أن يلحق بغير عمل الإسلام. وصريح مذهب مالك أنه إذا كان مخوف الجانب غرب وسجن حيث غرّب ، والتشديد في أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع قراءة الجمهور ، وهو للتكثير بالنسبة إلى الذين يوقع بهم الفعل ، والتخفيف في ثلاثتها قراءة الحسن ومجاهد وابن محيصن.
(ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) أي ذلك الجزاء من القطع والقتل والصلب والنفي. والخزي هنا الهوان والذل والافتضاح. والخزي الحياء عبر به عن الافتضاح لما كان سببا له افتضح فاستحيا.
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) ظاهره أن معصية الحرابة مخالفة للمعاصي غيرها ، إذ جمع فيها بين العقاب في الدنيا والعقاب في الآخرة تغليظا لذنب الحرابة ، وهو مخالف لظاهر قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث عبادة «فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له» ويحتمل أن يكون ذلك على حسب التوزيع ، فيكون الخزي في الدنيا إن عوقب ، والعقاب في الآخرة إن سلم في الدنيا من العقاب ، فتجري معصية الحرابة مجرى سائر المعاصي. وهذا الوعيد كغيره مقيد بالمشيئة ، وله تعالى أن يغفر هذا الذنب ، ولكن في الوعيد خوف على المتوعد عليه نفاذ الوعيد.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ظاهره أنه استثناء من المعاقبين عقاب قاطع الطريق ، فإذا تابوا قبل القدرة على أخذهم سقط عنهم ما