والتابعين أمر منكر مردود. (قلت) : هذا السؤال لم يقله سيبويه ، ولا هو ممن يقوله ، وكيف يقوله وهو قد رجح قراءة الرفع على ما أوضحناه؟ وأيضا فقوله : لأن ترجيح القراءة التي لم يقرأ بها إلا عيسى بن عمر على قراءة الرسول وجميع الأمة في عهد الصحابة والتابعين تشنيع ، وإيهام أن عيسى بن عمر قرأها من قبل نفسه ، وليس كذلك ، بل قراءته مستندة إلى الصحابة وإلى الرسول ، فقراءته قراءة الرسول أيضا ، وقوله : وجميع الأمة ، لا يصح هذا الإطلاق لأنّ عيسى بن عمر وابراهيم بن أبي عبلة ومن وافقهما وأشياخهم الذين أخذوا عنهم هذه القراءة هم من الأمة. وقال سيبويه : وقد قرأ ناس والسارق والسارقة والزانية والزاني ، فأخبر أنها قراءة ناس. وقوله : وجميع الأمة لا يصح هذا العموم. قال الفخر الرازي : الثاني : من الوجوه التي تدل على فساد قول سيبويه أن القراءة بالنصب لو كانت أولى لوجب أن يكون في القراء من قرأ : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) (١) بالنصب ، ولما لم يوجد في القراءة أحد قرأ كذلك ، علمنا سقوط هذا القول. (قلت) : لم يدّع سيبويه أنّ قراءة النصب أولى فيلزمه ما ذكر ، وإنما قال سيبويه : وقد قرأ ناس والسارق والسارقة والزانية والزاني ، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة ، ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع. ويعني سيبويه بقوله : من القوة ، لو عرى من الفاء المقدر دخولها على خبر الاسم المرفوع على الابتداء ، وجملة الأمر خبره ، ولكن أبت العامة أي ـ جمهور القراء ـ إلا الرفع لعلة دخول الفاء ، إذ لا يصح أن تكون جملة الأمر خبرا لهذا المبتدأ ، فلما دخلت الفاء رجح الجمهور الرفع. ولذلك لما ذكر سيبويه اختيار النصب في الأمر والنهي ، لم يمثله بالفاء بل عاريا منها. قال سيبويه : وذلك قولك : زيدا اضربه وعمرا أمر ربه ، وخالدا اضرب أباه ، وزيدا اشتر له ثوبا ثم قال : وقد يكون في الأمر والنهي أن يبنى الفعل على الاسم وذلك قوله : عبد الله فاضربه ، ابتدأت عبد الله فرفعت بالابتداء ، ونبهت المخاطب له ليعرفه باسمه ، ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر. فإذا قلت : زيدا فاضربه ، لم يستقم ، لم تحمله على الابتداء. ألا ترى أنك لو قلت : زيد فمنطلق ، لم يستقم؟ فهذا دليل على أنه لا يجوز أن يكون مبتدأ يعني مخبرا عنه بفعل الأمر المقرون بالفاء الجائز دخولها على الخبر. ثم قال سيبويه : فإن شئت نصبته على شيء هذا يفسره. لما منع سيبويه الرفع فيه على الابتداء ، وجملة الأمر خبره لأجل الفاء ، أجاز نصبه على الاشتغال ، لا على أن الفاء هي الداخلة في خبر المبتدإ.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦.