وتلخيص ما يفهم من كلام سيبويه : أن الجملة الواقعة أمرا بغير فاء بعد اسم يختار فيه النصب ويجوز فيه الابتداء ، وجملة الأمر خبره ، فإن دخلت عليه الفاء فإمّا أن تقدرها الفاء الداخلة على الخبر ، أو عاطفة. فإن قدرتها الداخلة على الخبر فلا يجوز أن يكون ذلك الاسم مبتدأ وجملة الأمر خبره ، إلا إذا كان المبتدأ أجرى مجرى اسم الشرط لشبهه به ، وله شروط ذكرت في النحو. وإن كانت عاطفة كان ذلك الاسم مرفوعا ، إما مبتدأ كما تأول سيبويه في قوله : والسارق والسارقة ، وإما خبر مبتدأ محذوف كما قيل : القمر والله فانظر إليه. والنصب على هذا المعنى دون الرفع ، لأنك إذا نصبت احتجت إلى جملة فعلية تعطف عليها بالفاء ، وإلى حذف الفعل الناصب ، وإلى تحريف الفاء إلى غير محلها. فإذا قلت زيدا فاضربه ، فالتقدير : تنبه فاضرب زيدا اضربه. حذفت تنبه ، وحذفت اضرب ، وأخرت الفاء إلى دخولها على المفسر. وكان الرفع أولى ، لأنه ليس فيه إلا حذف مبتدأ ، أو حذف خبر. فالمحذوف أحد جزئي الإسناد فقط ، والفاء واقعة في موقعها ، ودل على ذلك المحذوف سياق الكلام والمعنى. قال سيبويه : وأما قوله عزوجل : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) (١) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢) فإنّ هذا لم يبن على الفعل ، ولكنه جاء على مثل قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (٣) ثم قال بعد فيها : (أَنْهارٌ) فيها كذا وكذا ، فإنما وضع مثل للحديث الذي بعده ، وذكر بعد أخبار وأحاديث كأنه قال : ومن القصص مثل الجنة أو مما نقص عليكم مثل الجنة ، فهو محمول على هذا الإضمار أو نحوه والله أعلم. وكذلك الزانية والزاني لما قال تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) (٤) قال في الفرائض : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) أو (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (٥) في الفرائض ثم قال : فاجلدوا ، فجاء بالفعل بعد أن مضى فيها الرفع كما قال : وقائلة خولان فانكح فتاتهم ، فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه الضمير ، وكذلك السارق والسارقة. كأنه قال : مما فرض عليكم السارق والسارقة ، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم. وإنما جاءت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث انتهى.
فسيبويه إنما اختار هذا التخريج لأنه أقل كلفة من النصب مع وجود الفاء ، وليست الفاء الداخلة في خبر المبتدأ ، لأن سيبويه لا يجيز ذلك في أل الموصولة. فالآيتان عنده من
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٢.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٣٨.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.
(٤) سورة النور : ٢٤ / ١.
(٥) سورة النور : ٢٤ / ٢.