باب زيد فاضربه ، فكما أن المختار في هذا الرفع فكذلك في الآيتين. وقول الرازي : لوجب أن يكون في القراء من قرأ : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) (١) بالنصب إلى آخر كلامه ، لم يقل سيبويه أن النصب في مثل هذا التركيب أولى ، فيلزم أن يكون في القراء من ينصب واللذان يأتيانها ، بل حل سيبويه هذا الآية محل قوله : والسارق والسارقة ، لأنه تقدم قبل ذلك ما يدل على المحذوف وهو قوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) (٢) فخرج سيبويه الآية على الإضمار. وقال سيبويه : وقد يجري هذا في زيد وعمرو على هذا الحد إذا كنت تخبر بأشياء ، أو توصي ، ثم تقول : زيد أي زيد فيمن أوصى فأحسن إليه وأكرمه ، ويجوز في : واللذان يأتيانها منكم ، أن يرتفع على الابتداء ، والجملة التي فيها الفاء خبر لأنه موصول مستوف شروط الموصول الذي يجوز دخول الفاء في خبره لشبهه باسم الشرط ، بخلاف قوله : والسارق والسارقة ، فإنه لا يجوز عند سيبويه دخول الفاء في خبره ، لأنه لا يجري مجرى اسم الشرط ، فلا يشبه به في دخول الفاء.
قال الفخر الرازي : الثالث يعني : من وجوه فساد قول سيبويه إنا إنما قلنا السارق والسارقة مبتدأ ، وخبره هو الذي يضمره ، وهو قولنا : فيما يتلى عليكم ، وفي شيء تتعلق به الفاء في قوله : فاقطعوا أيديهما. (قلت) : تقدم لنا حكمة المجيء بالفاء وما ربطت ، وقد قدره سيبويه : ومما فرض عليكم السارق والسارقة ، والمعنى : حكم السارق والسارقة ، لأنها آية جاءت بعد ذكر جزاء المحاربين وأحكامهم ، فناسب تقدير سيبويه. وجيء بالفاء رابطة الجملة الثانية بالأولى ، والثانية جاءت موضحة للحكم المبهم فيما قبل ذلك. قال الفخر الرازي : فإن قال ـ يعني سيبويه ـ الفاء تتعلق بالفعل الذي دل عليه قوله : والسارق والسارقة ، يعني : أنه إذا أتى بالسرقة فاقطعوا يده ، فنقول : إذا احتجت في آخر الأمر أن تقول السارق والسارقة تقديره من سرق ، فاذكر هذا أولا حتى لا يحتاج إلى الإضمار الذي ذكرته. (قلت) : هذا لا يقوله سيبويه ، وقد بينا حكم الفاء وفائدتها.
قال الفخر الرازي : الرابع : يعني من وجوه فساد قول سيبويه إذا اخترنا القراءة بالنصب ، لم تدل على أنّ السرقة علة لوجوب القطع. وإذا اخترنا القراءة بالرفع أفادت الآية هذا المعنى ، ثم إنّ هذا المعنى متأكد بقوله : جزاء بما كسبا ، فثبت أن القراءة بالرفع أولى. (قلت) : هذا عجيب من هذا الرجل ، يزعم أنّ النصب لا يشعر بالعلة الموجبة للقطع
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٥.