قالوا : فإن أفتى بالدية قبلنا ، وإن أفتى بالقتل لم نقبل. وهذا نحو من قول قتادة في النضير وقريظة.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما بين أحكام الحرابة والسرقة ، وكان في ذكر المحاربين أنهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ، أمره تعالى أن لا يحزن ولا يهتم بأمر المنافقين ، وأمر اليهود من تعنتهم وتربصهم به وبمن معه الدوائر ونصبهم له حبائل المكروه ، وما يحدث لهم من الفساد في الأرض. ونصب المحاربة لله ولرسوله وغير ذلك من الرذائل الصادرة عنهم. ونداؤه تعالى له : يا أيها الرسول هنا ، وفي (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (١) ويا أيها النبي في مواضع تشريف وتعظيم وتفخيم لقدره ، ونادى غيره من الأنبياء باسمه فقال : (يا آدَمُ اسْكُنْ) (٢) و (يا نُوحُ اهْبِطْ) (٣) (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) (٤) (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) (٥) (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) (٦) (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) (٧). وقال مجاهد وعبد الله بن كثير : من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، هم اليهود المنافقون ، وسماعون للكذب هم اليهود. والمعنى على هذا : لا تهتم بمسارعة المنافقين في الكفر واليهود بإظهار ما يلوح لهم من آثار الكفر وهو كيدهم للإسلام وأهله ، فإنّ الله ناصرك عليهم ويقال : أسرع فيه السبب ، وأسرع فيه الفساد ، إذا وقع فيه سريعا. ومسارعتهم في الكفر وقوعهم وتهافتهم فيه. أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها ، وتكون من الأولى والثانية على هذا تنبيها وتقسيما للذين يسارعون في الكفر ، ويكون سماعون خبر مبتدأ محذوف أي : هم سماعون ، والضمير عائد على المنافقين وعلى اليهود. ويدل على هذا المعنى قراءة الضحاك : سماعين ، وانتصابه على الذم نحو قوله :
أقارع عوف لا أحاول غيرها |
|
وجوه قرود تبتغي من تخادع |
ويجوز أن يكون : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) (٨) استئنافا ، وسماعون مبتدأ وهم اليهود ، وبأفواههم متعلق بقالوا لا بآمنا والمعنى : أنهم لم يجاوز قولهم أفواههم ، إنما نطقوا بالإيمان خاصة دون اعتقاد. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود ، وصفهم بأنهم قالوا : آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم إلزاما
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٣) سورة هود : ١١ / ٤٨.
(٤) سورة الصافات : ٣٧ / ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٥) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٤.
(٦) سورة آل عمران : ٣ / ٥٥.
(٧) سورة مريم : ١٩ / ١٢.
(٨) سورة النساء : ٤ / ٤٦.