جماعة : الهدى والنور سواء ، وكرر للتأكيد. وقال قوم : ليسا سواء ، فالهدى محمول على بيان الأحكام ، والنور والبيان للتوحيد والنبوة والمعاد. قال الزمخشري : يهدي للعدل والحق ، ونور يبين ما استبهم من الأحكام. وقال ابن عطية : الهدى الإرشاد المعتقد والشرائع ، والنور ما يستضاء به من أوامرها ونواهيها. وقيل : المعنى فيها بيان أمر الرسول وما جاءوا يستفتون فيه.
(يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا) ظاهر قوله : النبيون ، الجمع. قالوا : وهم من لدن موسى إلى عيسى. وقال عكرمة : محمد ومن قبله من الأنبياء. وقيل : النبيون الذين هم على دين ابراهيم. وقال الحسن والسدي : هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك حين حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كقوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) (١) و (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وصف مدح الأنبياء كالصفات التي تجري على الله تعالى ، وأريد بإجرائها التعريض باليهود والنصارى ، حيث قالت اليهود : إن الأنبياء كانوا يهودا ، والنصارى قالت : كانوا نصارى ، فبين أنهم كانوا مسلمين ، كما كان ابراهيم عليهالسلام. ولذلك جاء : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (٢) ونبه بهذا الوصف أنّ اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام ، وأنه كان دين الأنبياء كلهم قديما وحديثا. والظاهر أنّ الذين هادوا متعلق بقوله : يحكم بها النبيون. وقيل : بأنزلنا. وقيل : التقدير هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون. وفي قوله : للذين هادوا ، تنبيه على أنهم ليسوا مسلمين ، بل هم بعداء من ذلك. واللام في للذين هادوا إذا علقت بيحكم للاختصاص ، فيشمل من يحكم له ومن يحكم عليه. وقيل : ثم محذوف أي : للذين هادوا وعليهم. وقيل : اللام بمعنى على ، أي على الذين هادوا.
(وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) هما بمعنى واحد ، وهم العلماء. قاله الأكثرون ومنهم : ابن قتيبة والزجاج. وقال مجاهد : الربانيون الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار. وقال السدي : الربانيون العلماء ، والأحبار الفقهاء. وقال ابن زيد : الربانيون الولاة ، والأحبار العلماء. وقيل : الربانيون علماء النصارى ، والأحبار علماء اليهود ، وقد تقدم شرح الرباني. وقال الزمخشري : والربانيون والأحبار الزهاد ، والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا ، دين اليهود. وقال السدي : المراد هنا بالربانيين والأحبار الذين يحكمون
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٤.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.