القصاص ، فلا خلاف في وجوبها فيه ، وما لا فلا قصاص فيه كالمأمومة. وقال أبو عبيد : فليس في شيء من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة ، لأنه ليس شيء منها له حد ينتهي إليه سواها ، وأما غيرها من الشجاج ففيه ديته انتهى. وقال غيره : في الخارصة القصاص بمقدارها إذا لم يخش منها سراية ، وأقاد ابن الزبير من المأمومة ، وأنكر الناس عليه. قال عطاء : ما علمنا أحدا أقاد منها قبله. وأما الجروح في اللحم فقال : فقد ذكر بعض أهل العلم أن القصاص فيها ممكن بأن يقاس بمثل ، ويوضع بمقدار ذلك الجرح.
(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) المتصدق صاحب الحق. ومستوفي القصاص الشامل للنفس والأعضاء وللجروح التي فيها القصاص ، وهو ضمير يعود على التصدق أي : فالتصدق كفارة للمتصدق ، والمعنى : أنّ من تصدق بجرحه يكفر عنه ، قاله : عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وأبو الدرداء ، وقتادة ، والحسن ، والشعبي. وذكر أبو الدرداء أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه الله بذلك درجة وحط عنه خطيئة» وذكر مكي حديثا من طريق الشعبي : «أنه يحط عنه من ذنوبه ما عفى عنه من الدية» وعن عبد الله بن عمر : يهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق. وقيل : الضمير في له عائد على الجاني وإن لم يتقدّم له ذكر ، لكنه يفهم من سياق الكلام ، ويدل عليه المعنى. والمعنى : فذلك العفو والتصدق كفارة للجاني تسقط عنه ما لزمه من القصاص. وكما أن القصاص كفارة ، كذلك العفو كفارة ، وأجر العافي على الله تعالى قاله : ابن عباس ، والسبيعي ، ومجاهد ، وابراهيم ، والشعبي ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل. وقيل : المتصدق هو الجاني ، والضمير في له يعود عليه. والمعنى : إذا جنى جان فجهل وخفى أمره فتصدق هو بأن عرف بذلك ومكن من نفسه ، فذلك الفعل كفارة لذنبه. وقال مجاهد : إذا أصاب رجل رجلا ولم يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب فهو كفارة للمصيب. وأصاب عروة عند الركن إنسانا وهم يستلمون فلم يدر المصاب من أصابه فقال له عروة : أنا أصبتك ، وأنا عروة بن الزبير ، فإن كان يلحقك بها بأس فأنا بها. وعلى هذا القول يحتمل أن يكون تصدق تفعل من الصدقة ، ويحتمل أن يكون من الصدق.
وقرأ أبي : فهو كفارة له يعني : فالتصدق كفارته ، أي الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها ، وهو تعظيم لما فعل لقوله : (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١) وترغيب في العفو. وتأول
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.