نحو زيد يقوم فيقعد بشر. وجوز أن لا يكون معطوفا على أن يأتي ، ولكنه منصوب بإضمار أن بعد الفاء في جواب التمني ، إذ عسى تمنّ وترج في حق البشر ، وهذا فيه نظر.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) قال المفسرون : لما أجلى بني النضير تأسف المنافقون على فراقهم ، وجعل المنافق يقول لقريبه المؤمن إذا رآه جادّا في معاداة اليهود : هذا جزاؤهم منك طال ، والله ما أشبعوا بطنك ، فلما قتلت قريظة لم يطق أحد من المنافقين ستر ما في نفسه ، فجعلوا يقولون : أربعمائة حصدوا في ليلة؟ فلما رأى المؤمنون ما قد ظهر من المنافقين قالوا : أهؤلاء أي المنافقون الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم لمعكم؟ والمعنى : يقول بعضهم لبعض تعجبا من حالهم إذ أغلظوا بالأيمان للمؤمنين أنهم معكم ، وأنهم معاضدوكم على اليهود ، فلما حلّ باليهود ما حل ظهر من المنافقين ما كانوا يسرّونه من موالاة اليهود والتمالؤ على المؤمنين. ويحتمل أن يقول المؤمنون ذلك لليهود ، ويكون الخطاب في قوله : إنهم لمعكم لليهود ، لأن المنافقين حلفوا لليهود بالمعاضدة والنصرة كما قال تعالى حكاية عنهم : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) فقالوا ذلك لليهود يجسرونهم على موالاة المنافقين ، وأنهم لن يغنوا عنهم من الله شيئا ، ويغتبطون بما منّ الله عليهم من إخلاص الإيمان وموالاة اليهود.
وقرأ الابنان ونافع : بغير واو ، كأنه جواب قائل ما يقول المؤمنون حينئذ. فقيل : يقول الذين آمنوا ، وكذا هي في مصاحف أهل مكة والمدينة. وقرأ الباقون : بالواو ، ونصب اللام أبو عمرو ، ورفعها الكوفيون. وروى علي بن نصر عن أبي عمر : والرفع والنصب ، وقالوا : وهي في مصاحف الكوفة وأهل المشرق. والواو عاطفة جملة على جملة ، هذا إذا رفع اللام ، ومع حذف الواو الاتصال موجود في الجملة الثانية ، ذكر من الجملة السابقة إذ الذين يسارعون وقالوا : نخشى ، ويصبحوا هم الذين قيل فيهم : أهؤلاء الذين أقسموا ، وتارة يكتفي في الاتصال بالضمير ، وتارة يؤكد بالعطف بالواو. والظاهر أنّ هذا القول هو صادر من المؤمنين عند رؤية الفتح كما قدمنا.
قيل : ويحتمل أن يكون في وقت الذين في قلوبهم مرض يقولون : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) (٢) وعند ما ظهر سؤالهم في أمر بني قينقاع وسؤال عبد الله بن أبي فيهم ، ونزل الرسول إياهم له ، وإظهار عبد الله أن خشية الدوائر هي خوفه على المدينة ومن بها من
__________________
(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١١.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.