(فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) هذا بشارة للرسول والمؤمنين بوعده تعالى بالفتح والنصرة. قال قتادة : عنى به القضاء في هذه النوازل والفتاح الفاضي. وقال السدّي : يعني به فتح مكة. قال ابن عطية : وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلو كلمته فيستغني عن اليهود. وقيل : فتح بلاد المشركين. وقيل : فتح قرى اليهود ، يريدون قريظة والنضير وفدك وما يجري مجراهما. وقيل : الفتح الفرج ، قاله ابن قتيبة. وقيل في قوله تعالى : (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (١) هو إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم ، لم يكن للناس فيه فعل بل طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب ، وقتل قريظة وسبي ذراريهم قاله : ابن السائب ومقاتل. وقيل : إذلالهم حتى يعطوا الجزية. وقيل : الخصب والرّخاء قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج : إظهار أمر المنافقين وتربصهم الدوائر. وقال ابن عطية : ويظهر أنّ هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو مما ترتب على سعي النبي وأصحابه ونسب جدهم وعملهم ، فوعد الله تعالى إمّا بفتح يقتضي تلك الأعمال ، وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع ، هو أيضا فتح لا يقع للبشر فيه تسبب انتهى.
(فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) أي يصيرون نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أنّ أمر النبي لا يتم ، ولا تكون الدولة لهم إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده. وقيل : موالاتهم. وقرأ ابن الزبير : فتصبح الفساق جعل الفساق مكان الضمير. قال بن عطية : وخص الإصباح بالذكر لأنّ الإنسان في ليله مفكر ، فعند الصباح يرى الحالة التي اقتضاها فكره انتهى. وتقدم لنا نحو من هذا الكلام ، وذكرنا أن أصبح تأتي بمعنى صار من غير اعتبار كينونة في الصباح ، واتفق الحوفي وأبو البقاء على أن قوله : فيصبحوا معطوف على قوله : (أَنْ يَأْتِيَ) (٢) وهو الظاهر ، ومجور ذلك هو الفاء ، لأن فيها معنى التسبب ، فصار نظير الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، فلو كان العطف بغير الفاء لم يصح ، لأنه كان يكون معطوفا على أن يأتي خبر لعسى ، وهو خبر عن الله تعالى ، والمعطوف على الخبر خبر ، فيلزم أن يكون فيه رابط إن كان مما يحتاج إلى الرابط ، ولا رابط هنا ، فلا يجوز العطف. لكنّ الفاء انفردت من بين سائر حروف العطف بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة كما مثله ، أو صفة نحو مررت برجل يبكي فيضحك عمرو ، أو خبر
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.