وقيل : لقي الصحابة المشركين فهزموهم ، فشد رجل منهم على رجل ، فلما غشيه السنان قال : إني مسلم ، فقتله وأخذ متاعه ، فرفع ذلك إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال : «قتلته وقد زعم أنه مسلم؟» فقال : قالها متعوذا قال : «هلا شققت عن قلبه؟» في قصة آخرها : أن القاتل مات فلفظته الأرض مرتين أو ثلاثا ، فطرح في بعض الشعاب. وقيل : هي السرية التي قتل فيها أسامة بن زيد مرداس بن نهيك من أهل فدك ، وهي مشهورة. وقيل : بعث الرسول عليهالسلام أبا حدرد الأسلمي وأبا قتادة ومحلم بن جثامة في سرية إلى أسلم ، فلما بلغوا إلى عامر بن الأضبط الأشجعي حياهم بتحية الإسلام ، فقتله محكم وسلبه ، فلما قدموا قال : «أقتلته بعد ما قال آمنت؟» فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وهي أنه تعالى لما ذكر جزاء من قتل مؤمنا متعمدا وأن له جهنم ، وذكر غضب الله عليه ولعنته وإعداد العذاب العظيم له ، أمر المؤمنين بالتثبت والتبين ، وأن لا يقدم الإنسان على قتل من أظهر الإيمان ، وأن لا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف ، وكرر ذلك آخر الآية تأكيدا أن لا يقدم عند الشبه والإشكال حتى يتضح له ما يقدم عليه ، ولما كان خفاء ذلك منوطا بالأسفار والغمزات قال : إذا ضربتم في الأرض ، وإلا فالتثبت والتبين لازم في قتل من تظاهر بالإسلام في السفر وفي الحضر ، وتقدم تفسير الضرب في قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) (١).
وقرأ حمزة والكسائي : فتثبتوا بالثاء المثلثة ، والباقون : فتبينوا. وكلاهما تفعل بمعنى استفعل التي للطلب ، أي : اطلبوا إثبات الأمر وبيانه ، ولا تقدموا من غير روية وإيضاح. وقال قوم : تبينوا أبلغ وأشد من فتثبتوا ، لأن المتثبت قد لا يتبين. وقال الراغب : لأنه قلما يكون إلا بعد تثبت ، وقد يكون التثبت ولاتبين ، وقد قوبل بالعجلة في قوله عليهالسلام : «التبين من الله والعجلة من الشيطان». وقال أبو عبيد هما : متقاربان. قال ابن عطية : والصحيح ما قال أبو عبيد ، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان ، بل يقتضي محاولة للتبين ، كما أنّ تثبت يقتضي محاولة للتبين ، فهما سواء. وقال أبو علي الفارسي : التثبت هو خلاف الإقدام ، والمراد : التأني ، والتثبت أشد اختصاصا بهذا الموضع. ومما يبين ذلك قوله : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (٢) أي أشد وقفا لهم عن ما وعظوا بأن لا يقدموا عليه ، وكلام الناس :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٧٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٦٦.