وقال قوم منهم القاضي أبو بكر بن الطيب : هذه كلها صفات زائدة على الذات ، ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تجديد. وقال قوم منهم الشعبي ، وابن المسيب ، والثوري : نؤمن بها ونقر كما نصت ، ولا نعين تفسيرها ، ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث من لم يمعن النظر في لسان العرب ، وهذه المسألة حججها في علم أصول الدين. وقرأ عبد الله : بسيطتان يقال : يد بسيطة مطلقة بالمعروف. وفي مصحف عبد الله : بسطان ، يقال : يده بسط بالمعروف وهو على فعل كما تقول : ناقة صرح ، ومشية سجح ، ينفق كيف يشاء هذا تأكيد للوصف بالسخاء ، وأنه لا ينفق إلا على ما تقتضيه مشيئته ، ولا موضع لقوله تنفق من الإعراب إذ هي جملة مستأنفة ، وقال الحوفي : يجوز أن يكون خبرا بعد خبر ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في مبسوطتان انتهى. ويحتاج في هذين الإعرابين إلى أن يكون الضمير العائد على المبتدأ ، أو على ذي الحال محذوفا التقدير : ينفق بهما. قال الحوفي : كيف سؤال عن حال ، وهي نصب بيشاء انتهى. ولا يعقل هنا كونها سؤالا عن حال ، بل هي في معنى الشرط كما تقول : كيف تكون أكون ، ومفعول يشاء محذوف ، وجواب كيف محذوف يدل عليه ينفق المتقدم ، كما يدل في قولك : أقوم إن قام زيد على جواب الشرط والتقدير : ينفق كيف يشاء أن ينفق ينفق ، كما تقول : كيف تشاء أن أضربك أضربك ، ولا يجوز أن يعمل كيف ينفق لأن اسم بالشرط لا يعمل فيه ما قبله إلا إن كان جارا ، فقد يعمل في بعض أسماء الشرط. ونظير ذلك قوله : (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) (١).
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) علق بكثير ، لأن منهم من آمن ومن لا يزداد إلا طغيانا ، وهذا إعلام للرّسول بفرط عتوهم إذ كانوا ينبغي لهم أن يبادروا بالإيمان بسبب ما أخبرهم به الله تعالى على لسان رسوله من الأسرار التي يكتمونها ولا يعرفها غيرهم ، لكن رتبوا على ذلك غير مقتضاه ، وزادهم ذلك طغيانا وكفروا ، وذلك لفرط عنادهم وحسدهم. وقال الزجاج : كلما نزل عليك شيء كفروا به. وقال مقاتل : وليزيدن بني النضير ما أنزل إليك من ربك من أمر الرجم والدّماء. وقيل : المراد بالكثير علماء اليهود. وقيل : إقامتهم على الكفر زيادة منهم في الكفر.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) قيل : الضمير في بينهم عائد على
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٤٨.