له مغالبة واغتيالا. وفيه دليل على صحة نبوّته ، إذ لا يمكن أن يكون إخباره بذلك إلا من عند الله تعالى ، وكذا جميع ما أخبر به.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي إنما عليك البلاغ لا الهداية ، فمن قضيت عليه بالكفر والموافاة عليه لا يهتدي أبدا ، فيكون خاصا. قال ابن عطية : وأما على العموم على أن لا هداية في الكفر ، ولا يهدي الله الكافر في سبيل كفره. وقال الزمخشري : ومعناه أنه لا يمكنهم مما يريدون إنزاله ، بل من الهلاك انتهى. وهو قول بعضهم لا يعينهم على بلوغ غرضهم منك. وقيل : المعنى لا يهديهم إلى الجنة. والظاهر من الهداية إذا أطلقت ما فسرناها به أولا.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) قال رافع بن سلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ، وإنك تؤمن بالتوراة ونبوة موسى ، وأن ذلك حق؟ قال : «بلى ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم» فقالوا : إنا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ، ولا نصدقك ، ولا نتبعك فنزلت. وتقدم الكلام على إقامة التوراة والإنجيل وما أنزل ، فأغنى عن إعادته. ونفى أن يكونوا على شيء جعل ما هم عليه عدما صرفا لفساده وبطلانه فنفاه من أصله ، أو لاحظ فيه ، صفة محذوفة أي : على شيء يعتد به ، فيتوجه النفي إلى الصفة دون الموصوف.
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) تقدم تفسير هذه الجملة.
(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي لا تحزن عليهم. فأقام الظاهر مقام المضمر تنبيها على العلة الموجبة لعدم التأسف ، أو هو عام فيندرجون فيه. وقيل : في قوله : (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ) (١) جمع في الضمير ، والمقصود التفصيل أي : حتى يقيم أهل التوراة التوراة ، ويقيم أهل الإنجيل الإنجيل ، ولا يحتاج إلى ذلك إن أريد ما في الكتابين من التوحيد ، فإنّ الشرائع فيه متساوية.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٨.