نزلت في قوم كانوا على الكفر قبل البعثة ، فلما بعث الرسول كذبوه بغيا وحسدا ، فعموا وصموا لمجانبة الحق ، ثم تاب الله عليهم أي : عرضهم للتوبة بإرسال الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإن لم يتوبوا ثم عموا وصموا كثير منهم لأنهم لم يجمعوا كلهم على خلافه انتهى. والضمير في : وحسبوا ، عائد على بني إسرائيل ، وحسبانهم سببه اغترارهم بإمهال الله حين كذبوا الرسل وقتلوا ، أو وقوع كونهم أبناء الله وأحباءه في أنفسهم ، وأنهم لا تمسهم النار إلا مقدار الزمان الذي عبدوا فيه العجل ، وإمداد الله لهم بطول الأعمار وسعة الأرزاق ، أو وقوع كون الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى في أنفسهم ، واعتقادهم امتناع النسخ على شريعة موسى ، فكل من جاءهم من رسول كذبوه وقتلوه خمسة أقوال. والفتنة هنا : الابتلاء والاختبار. فقيل : في الدّنيا بالقحط والوباء وهو الطاعون ، أو القتل ، أو العداوة ، أو ضيق الحال ، أو القمل ، والضفادع ، والدم ، أو التيه ، وقتال الجبارين ، أو مجموع ما ذكر أقوال ثمانية. وقيل : في الآخرة بالافتضاح على رؤوس الأشهاد ، أو هو يوم القيامة وشدته ، أو العذاب بالنار والخلود ثلاثة أقوال. وقيل : الفتنة ما نالهم في الدنيا وفي الآخرة ، وسدت أن وصلتها مسد مفعولي حسب على مذهب سيبويه. وقرأ الحرميان وعاصم وابن عامر : بنصب نون تكون بأن الناصبة للمضارع ، وهو على الأصل إذ حسب من الأفعال التي في أصل الوضع لغير المتيقن. وقرأ النحويان وحمزة برفع النون ، وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة المنفية في موضع الخبر. نزل الحسبان في صدورهم منزلة العلم ، وقد استعملت حسب في المتيقن قليلا قال الشاعر :
حسبت التقى والجود خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا |
وتكون هنا تامة.
(ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) قالت جماعة : توبتهم هذه ردهم إلى بيت المقدس بعد الإخراج الأول وعماهم وصممهم. قيل : ولو جهم في شهواتهم فلم يبصروا الحق ، ولم يسمعوا داعي الله. وقالت جماعة : توبتهم ببعث عيسى عليهالسلام. وقالت جماعة : بعث محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : الأول : في زمان زكريا ويحيى وعيسى عليهم الصلاة والسّلام ، ولتوفيق كثير منهم للإيمان. والثاني : في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم آمن جماعة به ، وأقام الكثير منهم على كفرهم. وقيل : الأول عبادة العجل ثم التوبة عنه ، ثم الثاني بطلب الرؤية وهي محال غير معقول في صفات الله قاله : الزمخشري جريا على مذهبه الاعتزالي في إنكار رؤية الله