(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) (١) ونظير هذه الآية : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) ومثله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (٣) ومعنى مجيء إن بغير باء ، دليل على أنه قبل إن قسم محذوف إذ لولا نية القسم لقال : فإنكم لمشركون الذين كفروا أي : الذين ثبتوا على هذا الاعتقاد. وأقام الظاهر مقام المضمر ، إذ كان الربط يحصل بقوله : ليمسنهم ، لتكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله : لقد كفر وللإعلام بأنهم كانوا بمكان من الكفر ، إذ جعل الفعل في صلة الذين وهي تقتضي كونها معلومة للسامع مفروغا من ثبوتها ، واستقرارها لهم ومن في منهم للتبعيض ، أي كائنا منهم ، والربط حاصل بالضمير ، فكأنه قيل : كافرهم وليسوا كلهم بقوا على الكفر ، بل قد تاب كثير منهم من النصرانية. ومن أثبت أنّ من تكون لبيان الجنس أجاز ذلك هنا ، ونظره بقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٤).
(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) هذا لطف بهم واستدعاء إلى التنصل من تلك المقالة الشنعاء بعد أن كرّر عليهم الشهادة بالكفر. والفاء في أفلا للعطف ، حجزت بين الاستفهام ولا النافية ، والتقدير : فألا. وعلى طريقة الزمخشري تكون قد عطفت فعلا على فعل ، كأن التقدير : أيثبتون على الكفر فلا يتوبون ، والمعنى على التعجب من انتفاء توبتهم وعدم استغفارهم ، وهم أجدر الناس بذلك ، لأن كفرهم أقبح الكفر ، وأفضح في سوء الاعتقاد ، فتعجب من كونهم لا يتوبون من هذا الجرم العظيم. وقال الفراء : هو استفهام معناه الأمر كقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٥). قال : إنما كان بمعنى الأمر ، لأنّ المفهوم من الصيغة طلب التوبة والحث عليها ، فمعناه : توبوا إلى الله واستغفروه من ذنبكم القولين المستحيلين انتهى. وقال ابن عطية : رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة انتهى. وما ذكروه من الحث والتحضيض على التوبة من حيث المعنى ، لا من حيث مدلول اللفظ ، لأن أفلا غير مدلول ألا التي للحض والحث.
(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) نبه تعالى على هذين الوصفين اللذين بهما يحصل قبول التوبة والغفران للحوبة ، والمعنى : كيف لا توجد التوبة من هذا الذنب وطلب المغفرة والمسئول منه ذلك متصف بالغفران التام والرحمة الواسعة لهؤلاء وغيرهم؟
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٠.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢٣.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٢١.
(٤) سورة الحج : ٢٢ / ٣٠.
(٥) سورة المائدة : ٥ / ٩١.