(لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) تقدّم الكلام على إعراب ما قال الزمخشري في قوله : أن سخط الله ، أنه هو المخصوص بالذم ومحله الرفع كأنه قيل : لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم ، والمعنى موجب سخط الله عليهم انتهى. ولا يصح هذا الإعراب إلا على مذهب الفرّاء ، والفارسي في أنّ ما موصولة ، أو على مذهب من جعل في بئس ضميرا ، وجعل ما تمييزا بمعنى شيئا ، وقدّمت صفة التمييز. وأما على مذهب سيبويه فلا يستوي ذلك ، لأن ما عنده اسم تام معرفة بمعنى الشيء ، والجملة بعده صفة للمخصوص المحذوف ، والتقدير : لبئس الشيء شيء قدّمت لهم أنفسهم ، فيكون على هذا أن سخط الله في موضع رفع بدل من ما انتهى. ولا يصح هذا سواء كانت موصولة ، أم تامة ، لأن البدل يحل محل المبدل منه ، وأن سخط لا يجوز أن يكون فاعلا لبئس ، لأن فاعل نعم وبئس لا يكون أن والفعل. وقيل : إن سخط في موضع نصب بدلا من الضمير المحذوف في قدّمت ، أي : قدّمته كما تقول : الذي ضربت زيدا أخوك تريد ضربته زيدا. وقيل : على إسقاط اللام أي : لأن سخط.
(وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) لما ذكر ما قدّموا إلى الآخرة زادا ، وذمّه بأبلغ الذم ، ذكر ما صاروا إليه وهو العذاب وأنهم خالدون فيه ، وأنه ثمرة سخط الله ، كما أن السخط ثمرة العصيان.
(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) إن كان المراد بقوله : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) (١) أسلافهم ، فالنبي داود وعيسى أو معاصري الرسول ، فالنبي هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، والذين كفروا عبدة الأوثان. والمعنى : لو كانوا يؤمنون إيمانا خالصا غير نفاق ، إذ موالاة الكفار دليل على النفاق. والظاهر في ضمير كانوا وضمير الفاعل في ما اتخذوهم أنه يعود على كثيرا منهم ، وفي ضمير المفعول أنه يعود على الذين كفروا. وقال القفال وجها آخر وهو : أن يكون المعنى ولو كان هؤلاء المتولون من المشركين يؤمنون بالله وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ما اتخذهم هؤلاء اليهود أولياء. والوجه الأول أولى ، لأن الحديث إنما هو عن قوله كثيرا منهم ، فعود الضمائر على نسق واحد أولى من اختلافها. وجاء جواب لو منفيا بما بغير لام ، وهو الأفصح ، ودخول اللام عليه قليل نحو قوله :
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٨٠.