يمنعه ذلك ، أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قرأ : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل الآية إلى قوله فاسقون ثم قال : والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه عن الحق اطرا ، أو ليضرب الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم» أخرجه الترمذي. ومعنى لتأطرنه لتردنه. وقيل : التفاعل هنا بمعنى الافتعال يقال : انتهى عن الأمر وتناهى عنه إذا كف عنه ، كما تقول : تجاوزوا واجتوزوا. والمعنى : كانوا لا يمتنعون عن منكر. وظاهر المنكر أنه غير معين ، فيصلح إطلاقه على أيّ منكر فعلوه. وقيل : صيد السمك يوم السبت. وقيل : أخذ الرشا في الحكم. وقيل : أكل الربا وأثمان الشحوم. ولا يصح التناهي عما فعل ، فإما أن يكون المعنى أرادوا فعله كما ترى آلات أمارات الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فينكر ، وإما أن يكون على حذف مضاف أي : معاودة منكر أو مثل منكر.
(لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) ذم لما صدر عنهم من فعل المنكر وعدم تناهيهم عنه. وقال الزمخشري : تعجيب من سوء فعلهم ، مؤكدا لذلك بالقسم ، فيا حسرتا على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المنكر وقلة عنايتهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كتاب الله ، وما فيه من المبالغات في هذا الباب انتهى. وقال حذّاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية ، بل ينهي العصاة بعضهم بعضا. وقال بعض الأصوليين : فرض على الذين يتعاطون الكؤس أن ينهي بعضهم بعضا ، واستدل بهذه الآية لأن قوله : لا يتناهون وفعلوه ، يقتضي اشتراكهم في الفعل ، وذمهم على ترك التناهي. وفي الحديث : «لا يزال العذاب مكفوفا عن العباد ما استتروا بمعاصي الله ، فإذا أعلنوها فلم ينكروها استحقوا عقاب الله تعالى».
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الظاهر عود الضمير في : منهم ، على بني إسرائيل فقال مقاتل : كثيرا منهم هو من كان بحضرة الرسول صلىاللهعليهوسلم يتولون الكفار وعبدة الأوثان ، والمراد كعب بن الأشرف وأصحابه الذين استجلبوا المشركين على الرسول ، وعلى هذا يكون ترى بصرية ، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب ، فيحتمل أن يراد أسلافهم أي : ترى الآن إذ أخبرناك. وقيل : كثيرا منهم منافقو أهل الكتاب كانوا يتولون المشركين. وقيل : هو كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل عني به المنافقون تولوا اليهود روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد.