فيها جعلت الفائضة بأنفسها على سبيل المجاز والمبالغة ، و (مِنَ) في (مِنَ الدَّمْعِ) قال أبو البقاء : فيه وجهان أحدهما : أن من لابتداء الغاية أي فيضها من كثرة الدموع والثاني : أن يكون حالا ، والتقدير تفيض مملوءة من الدمع مما عرفوا من الحق ، ومعناها من أجل الذي عرفوه ، و (مِنَ الْحَقِ) حال من العائد المحذوف أو حال من ضمير الفاعل في (عَرَفُوا).
وقيل : (مِنَ) في (مِنَ الدَّمْعِ) بمعنى الباء أي بالدمع.
وقال الزمخشري : (مِنَ الدَّمْعِ) من أجل البكاء من قولك دمعت عينه دمعا.
(فإن قلت) : أي فرق بين من ومن في قوله : (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) (قلت) : الأول لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق ، وكان من أجله وسببه ، والثانية لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا ، ويحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم ، انتهى.
والجملة من قوله : (وَإِذا سَمِعُوا) تحتمل الاستئناف ، وتحتمل أن تكون معطوفة على خبر إنهم. وقرئ : (تَرى أَعْيُنَهُمْ) على البناء لما لم يسمّ فاعله (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) المراد بآمنا أنشأنا الإيمان الخاص بهذه الأمة الإسلامية. والشاهدون : قال ابن عباس وابن جريج وغيرهما : هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا ذلك هم شهداء على سائر الأمم ، كما قال تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١) قال الزمخشري : وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك ، انتهى. وقال الطبري : معناه ولو قيل معناه (مَعَ الشَّاهِدِينَ) بتوحيدك من جميع العالم من تقدم ومن تأخر لكان صوابا.
وقيل : مع الذين يشهدون بالحق.
وقال الزجاج المراد بالشاهدين الأنبياء ، والمؤمنون ، والكتابة في اللوح المحفوظ. وقيل : معناه أثبتنا من قولهم كتب فلان في الجند أي ثبت ، و (يَقُولُونَ) في موضع نصب على الحال ، قاله ابن عطية وأبو البقاء ، ولم يبينا ذا الحال ولا العامل فيها ، ولا جائز أن يكون حالا من الضمير في أعينهم لأنه مجرور بالإضافة لا موضع له من رفع ولا نصب إلا على مذهب من ينزل الخبر منزلة المضاف إليه ، وهو قول خطأ ، وقد بينا ذلك في كتاب
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.