عاقدتم يحتمل أمرين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص ، انتهى ، وليس مثله لأنك لا تقول طرقت النعل ولا عقبت اللص بغير ألف ، وهذا تقول فيه عاقدت اليمين وعقدت اليمين ، وقال الحطيئة :
قوم إذا عاقدوا عقدا لجارهم
فجعله بمعنى المجرد وهو الظاهر كما ذكرناه.
قال أبو علي : والأحرى أن يراد به فاعلت التي تقتضي فاعلين كأن المعنى بما عاقدتم عليه الأيمان عداه بعلى لما كان بمعنى عاهد ، قال : بما عاهد عليه الله كما عدى (نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) بإلى ، وبابها أن تقول ناديت زيدا (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) (٢) لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا قال ممن دعا إلى الله ثم اتسع فحذف الجار ونقل الفعل إلى المفعول ، ثم المضمر العائد من الصلة إلى الموصول ، إذ صار بما عاقدتموه الأيمان ، كما حذف من قوله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٣) انتهى ، وجعل عاقد لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى بعيد إذ يصير المعنى أن اليمين عاقدته كما عاقدها إذ نسب ذلك إليه وهو عقدها هو على سبيل الحقيقة ، ونسبة ذلك إلى اليمين هو على سبيل المجاز لأنها لم تعقده بل هو الذي عقدها. وأما تقديره بما عاقدتم عليه وحذف حرف الجر ، ثم الضمير على التدريج الذي ذكره فهو أيضا بعيد ، وليس تنظيره ذلك بقوله (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) بسديد لأن أمر يتعدى بحرف الجر تارة وبنفسه تارة إلى المفعول الثاني وإن كان أصله الحذف تقول أمرت زيدا الخير ، وأمرته بالخير ، ولأنه لا يتعين في (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، بل يظهر أنها مصدرية فلا يحتاج إلى عائد ، وكذلك هنا الأولى أن تكون ما مصدرية ، ويقوي ذلك ويحسنه المقابلة بعقد اليمين للمصدر الذي هو باللغو في أيمانكم ، لأن اللغو مصدر ، فالأولى مقابلته بالمصدر لا بالموصول.
وقال الزمخشري : والمعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم ، فحذف وقت المؤاخذة ، لأنه كان معلوما عندهم أو بنكث ما عقدتم ، فحذف المضاف انتهى ؛ واليمين المنعقدة بالله أو بأسمائه أو صفاته.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥٨ / ٥.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٥٢.
(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٩٤.