لهم ساءتهم وهذا الوصف وإن تقدم مرتب على الوصف المتأخر وإنما تقدم لأنه أردع لهم عن المسألة عن تلك الأشياء أن يسألوا عنها لأنهم إذا أخبروا أنهم تسوءهم تلك المسألة إذا أبديت كانت أنفر عن أن يسألوا بعد ، فما كان هذا الوصف أزجر عن السؤال قدّم وتأخر الوصف في الذكر الذي ليس فيه زجر ولا ردع واتكل في ذلك على فهم المعنى مع أن عطف الوصف الثاني بالواو يقتضي التشريك فقط دون الترتيب ، ولا يدل قوله (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها) على جواز السؤال كما زعم بعضهم فقال : الضمير عائد على أشياء فكيف يفعل أشياء بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزا معا. وأجاب بوجهين أحدهما أن يكون ممنوعا قبل نزول القرآن مأمورا به بعد نزوله الثاني أنهما وإن كانا غير مختلفين إلا أنهما في كون كل واحد منهما مسؤولا عنه شيء واحد ، فلهذا الوجه حسن اتحاد الضمير ، انتهى. وهذا ليس بجواب ثان لأنه فرض أن تلك الأشياء بأعيانها ، السؤال عنها ممنوع وجائز وإذا كانا نوعين مختلفين فليست الأشياء بأعيانها وجملة الشرط كما ذكرناه لا تدل على الجواز ألا ترى أنك تقول لا تزن وإن زنيت حددت فقوله وإن زنيت حددت لا يدل ذلك على الجواز بل جملة الشرط لا تدل على الوقوع بل لا تدل على الإمكان إذ قد يقع التعليق بين المستحيلين كقوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١).
(عَفَا اللهُ عَنْها) ظاهره أنه استئناف إخبار من الله تعالى ، وذهب بعضهم إلى أنها في موضع جر صفة لأشياء كأنه قيل لا تسألوا عن أشياء معفو عنها ويكون معنى عفا أي ترك لكم التكليف فيها والمشقة عليكم بها لقوله إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل ، وهو القول الأول وهو الاستئناف يحتمل أن يكون المعنى هذا أي تركها الله ولم يعرفكم بها ويحتمل أن يكون المعنى أنه تجاوز عن ارتكابكم تلك السؤالات ولم يؤاخذكم بها ويدل على هذا المعنى قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ولذلك قال الزمخشري عفا الله عنكم ما سلف عن مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها.
(وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) لا يؤاخذكم بما يفرط منكم بعقوبته خرّج الدار قطني عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدّ حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها». وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أعظم الناس جرما من سأل عن مسألة لم تكن حراما فحرمت من أجل مسألته».
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٥.