فيها كأجر خمسين منكم». وهذا أصح ما يقال في تأويل هذه الآية لأنه عن الرسول وعليه الصحابة. بلغ أبا بكر الصديق أن بعض الناس تأول الآية على أنه لا يلزم الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ، فصعد المنبر وقال : أيها الناس لا تغتروا بقول الله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فيقول أحدكم : عليّ نفسي فو الله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم وليسو منكم سوء العذاب ، وعن عمر أن رجلا قال له : إني لأعمل بأعمال البر كلها إلا في خصلتين قال : وما هما قال لا آمر ولا أنهى ، فقال له عمر لقد طمست سهمين من سهام الإسلام إن شاء غفر لك وإن شاء عذبك.
وعن ابن مسعود ليس هذا زمان هذه الآية قولوا الحق ما قبل منكم فإذا ردّ عليكم فعليكم أنفسكم ، وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن : لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لنا : «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل. وقال ابن جبير (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) فالزموا شرعكم بما فيه من جهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر و (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) من أهل الكتاب (إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، وقال ابن زيد المعنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) من أبناء الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) في الاستقامة على الدين (لا يَضُرُّكُمْ) ضلال الأسلاف (إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) ، قال وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار : سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت فنزلت الآية بسبب ذلك ، وقيل : نزلت بسبب ارتداد بعض المؤمنين وافتتانهم كابن أبي السرح وغيره ، وقال المهدوي قيل إنها منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال ابن عطية لم يقل أحد فيما علمت أنها آية الموادعة للكفار ولا ينبغي أن يعارض بها شيء مما أمر به في غير ما آية من القيام بالقسط والأمر بالمعروف ، وقال الزمخشري كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على العناد والعتوّ من الكفرة ويتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها والمشي في طرق الهدى ولا يضركم الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين ، كما قال تعالى لنبيه : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (١) وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم فهو مخاطب به وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّ مع تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد. وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه.
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٨.