(وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) قيل : الدرجات باعتبار المنازل الرفيعة بعد إدخال الجنة ، والمغفرة باعتبار ستر الذنب ، والرحمة باعتبار دخول الجنة. والظاهر أنّ هذا التفضيل الخاص للمجاهد بنفسه وماله ، ومن تفرد بأحدهما ليس كذلك. ومن المعلوم أنّ من جاهد ، ومن أنفق ماله في الجهاد ، ليس كمن جاهد بنفقة من عند غيره.
وفي انتصاب درجة ودرجات وجوه : أحدها : أنهما ينتصبان انتصاب المصدر لوقوع درجة موقع المرة في التفضيل ، كأنه قيل : فضلهم تفضيله. كما تقول : ضربته سوطا ، ووقوع درجات موقع تفضيلات كما تقول : ضربته أسواطا تعني : ضربات. والثاني : أنهما ينتصبان انتصاب الحال أي : ذوي درجة ، وذوي درجات. والثالث : على تقدير حرف الجر أي : بدرجة وبدرجات. والرابع : أنهما انتصبا على معنى الظرف ، إذ وقعا موقعه أي : في درجة وفي درجات. وقيل : انتصاب درجات على البدل من أجرا قيل : ومغفرة ورحمة معطوفان على درجات. وقيل : انتصبا بإضمار فعلهما أي : غفر ذنبهم مغفرة ورحمهم رحمة. وأما انتصاب أجرا عظيما فقيل : على المصدر ، لأنّ معنى فضل معنى أجر ، فهو مصدر من المعنى ، لا من اللفظ. وقيل : على إسقاط حرف الجر أي بأجر. وقيل : مفعول بفضلهم لتضمينه معنى أعطاهم. قال الزمخشري : ونصب أجرا عظيما على أنه حال من النكرة التي هي درجات مقدّمة عليها انتهى. وهذا لا يظهر لأنه لو تأخر لم يجز أن يكون نعتا لعدم المطابقة ، لأنّ أجرا عظيما مفرد ، ولا يكون نعتا لدرجات ، لأنها جمع. وقال ابن عطية : ونصب درجات ، إما على البدل من الأجر ، وإما بإضمار فعل على أن يكون تأكيدا للأجر ، كما نقول لك : على ألف درهم عرفا ، كأنك قلت : أعرفها عرفا انتهى. وهذا فيه نظر.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) روى البخاري عن ابن عباس : أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم ، أو يضرب فيقتل ، فنزلت. وقيل : قوم من أهل مكة أسلموا ، فلما هاجر الرسول أقاموا مع قومهم ، وفتن منهم جماعة ، فلما كان يوم بدر خرج منهم قوم مع الكفار ، فقتلوا ببدر فنزلت. قال عكرمة : نزلت في خمسة قتلوا يوم بدر : قيس بن النائحة بن المغيرة ، والحرث بن زمعة بن الأسود بن أسد ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج ، وعلي بن