الإقرار نحو قوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) (١) وبمعنى العلم نحو قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٢) وبمعنى الوصية وخرجت هذه الآية عليه فيكون فيها أربعة أقوال.
(ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ذَوا عَدْلٍ) صفة لقوله (اثْنانِ) و (مِنْكُمْ) صفة أخرى و (مِنْ غَيْرِكُمْ) صفة لآخران ، قال الزمخشري (مِنْكُمْ) من أقاربكم و (مِنْ غَيْرِكُمْ) من الأجانب (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح ، وقيل (مِنْكُمْ) من المسلمين وإنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر ، وعن مكحول نسخها قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣) انتهى. وما اختاره الزمخشري وبدأ به أولا هو قول ابن عباس وعكرمة والحسن والزهري قالوا أمر الله بإشهاد عدلين من القرابة إذ هم أحق بحال الوصية وأدرى بصورة العدل فيها فإن كان الأمر في سفر ولم تحضر قرابة أسندها إلى غيرهما من المسلمين الأجانب وهذا القول مخالف لما ذكره الزمخشري وغيره من المفسرين حتى ابن عطية قال لا نعلم خلافا أن سبب هذه الآية أن تميما الداري وعدي بن زياد كانا نصرانيين وساقا الحديث المذكور أولا فهذا القول مخالف لسبب النزول. وأما القول الثاني الذي حكاه الزمخشري هو مذهب أبي موسى وابن المسيب ويحيى بن يعمر وابن جبير وأبي مجلز وابراهيم وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي ، وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال الثوري ومال إليه أبو عبيد واختاره أحمد قالوا : معنى قوله : (مِنْكُمْ) من المؤمنين ومعنى (مِنْ غَيْرِكُمْ) من الكفار ، قال بعضهم وذلك أن الآية نزلت ولا يؤمن إلا بالمدينة وكانوا يسافرون بالتجارة صحبة أهل الكتاب وعبدة الأوثان وأنواع الكفار ومذهب أبي موسى وشريح وغيرهما أن الآية محكمة.
قال أحمد : شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين ورجح أبو عبد الله الرازي هذا القول قال : قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب لجميع المؤمنين فلما قال : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) كان من غير المؤمنين لا محالة وبأنه لو كان الآخران مسلمين لم يكن جواز الاستشهاد بهما مشروطا بالسفر لأن المسلم جائز استشهاده في الحضر والسفر وبأنه دلت الآية على وجوب الحلف من بعد الصلاة وأجمع المسلمون على أن الشاهد لا يجب
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٦.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.
(٣) سورة الطلاق : ٦٥ / ٢.