عن إجابتهم وبتعدد ما أظهر على أيديهم من الآيات العظام فكذبوهم وسموهم سحرة وجاوز واحد التصديق إلى أن اتخذوهم آلهة كما قال بعض بني إسرائيل فيما أظهر على يد عيسى من البينات (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١) واتخذه بعضهم وأمه إلهين قاله الزمخشري. وقال ابن عطية يحتمل أن يكون العامل في (إِذْ) مضمرا تقديره اذكر يا محمد إذ ، وقال هنا بمعنى يقول لأن الظاهر من هذا القول أنه في القيامة تقدمة لقوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) ويحتمل أن يكون (إِذْ) بدلا من قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ) انتهى. وجوزوا أن يكون إذ في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك إذ قال الله. وإذا كان المنادى علما مفردا ظاهر الضمة موصوفا بابن متصل مضاف إلى علم جاز فتحه اتباعا لفتحة ابن. هذا مذهب الجمهور وأجاز الفرّاء وتبعه أبو البقاء في ما لا يظهر فيه الضمة تقدير والفتحة فإن لم تجعل (ابْنَ مَرْيَمَ) صفة وجعلته بدلا أو منادى فلا يجوز في ذلك العلم إلا الضم وقد خلط بعض المفسرين وبعض من ينتمي إلى النحو هنا ، فقال بعض المفسرين : يجوز أن يكون (عِيسَى) في محل الرفع لأنه منادى معرفة غير مضاف ويجوز أن يكون في محل النصب لأنه في نية الإضافة ثم جعل الابن توكيدا وكل ما كان مثل هذا جاز فيه الوجهان نحو يا زيد بن عمرو وأنشد النحويون :
يا حكم بن المنذر بن الجارود |
|
أنت الجواد بن الجواد بن الجود |
قال التبريزي الأظهر عندي أن موضع (عِيسَى) نصب لأنك تجعل الاسم مع نعته إذا أضفته إلى العلم كالشيء الواحد المضاف انتهى. والذي ذكره النحويون في نحو يا زيد بن بكر إذا فتحت آخر المنادى أنها حركة اتباع الحركة نون (ابْنَ) ولم يعتد بسكون باء ابن لأن الساكن حاجز غير حصين ، قالوا : ويحتمل أن يراد بالذكر هنا الإقرار وأن يراد به الإعلام وفائدة هذا الذكر إسماع الأمم ما خصه به تعالى من الكرامة وتأكيد حجته على جاحده ، وقيل أمر بالذكر تنبيها لغيره على معرفة حق النعمة ووجوب شكر المنعم ، قال الحسن ذكر النعمة شكرها والنعمة هنا جنس ويدل على ذلك ما عدّده بعد هذا التوحيد اللفظي من النعم وأضافها إليه تنبيها على عظمها ونعمه عليه قد عددها هنا وفي البقرة وآل عمران ومريم وفي مواضع من القرآن ونعمته على أمه براءتها مما نسب إليها وتكفيلها لزكريا وتقبلها بقبول حسن وما ذكر في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) (٢) إلى آخره وغير ذلك وأمر بذكر نعمة أمه لأنها نعمة صائرة إليه.
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٧.
(٢) سورة التحريم : ٦٦ / ١٢.