والإيمان ، وهو تلخيص قول ابن عباس واستدل لهذا بآية البقرة. وقال قتادة أيضا : الجنة والنار خلق الجنة وأرواح المؤمنين من نور ، والنار وأرواح الكافرين من ظلمة ، فيوم القيامة يحكم لأرواح المؤمنين بالجنة لأنهم من النور خلقوا ، وللكافرين بالنار لأنهم من الظلمة خلقوا. وقيل : الأجساد والأرواح. وقيل : شهوات النفوس وأسرار القلوب. وقيل : الجهل والعلم. وقال مجاهد : المراد حقيقة الظلمة والنور ، لأن الزنادقة كانت تقول : الله يخلق الضوء وعلى شيء حسن ، وإبليس يخلق الظلمة وكل شيء قبيح فأنزلت ردا عليهم. وقال أبو عبد الله الرازي : فيه قولان أحدهما : أنهما الأمران المحسوسان وهذا هو الحقيقة. والثاني ما نقل عن ابن عباس والحسن قبل وهو مجاز. وقال الواحدي : يحمل على الحقيقة. والمجاز معا لا يمكن حمله عليهما انتهى ملخصا.
وقال أبو عبد الله الرازي : ليست الظلمة عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور ، والدليل عليه أنه إذا جلس اثنان بقرب السراج وآخر بالبعد منه ، فالبعيد يرى القريب ويرى ذلك الهواء صافيا مضيئا والقريب لا يرى البعيد. ويرى ذلك الهواء مظلما ، فلو كانت الظلمة كيفية وجودية لكانت حاصلة بالنسبة إلى هذين الشخصين المذكورين ، وحيث لم يكن الأمر كذلك علمنا أن الظلمة ليست كيفية وجودية وإذا ثبت ذلك ، فنقول : عدم المحدثات متقدم على وجودها فالظلمة متقدمة في التحقيق على النور فوجب تقديمها عليه في اللفظ ، ومما يقوي ذلك ما روي في الأخبار الإلهية أنه تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره.
وروى ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم النور ، فمن أصابه يومئذ من ذلك النور اهتدى ومن أخطأ ضل». انتهى.
وقال أبو عبد الله بن أبي الفضل : قوله في الظلمة خطأ بل هي عبارة عن كيفية وجودية مضادة للنور ، والدليل على ذلك قوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) والعدم لا يقال فيه جعل (ثُمَ) كما تقرر في اللسان العربي أصلها للمهلة في الزمان. وقال ابن عطية : (ثُمَ) دالة على قبح فعل (الَّذِينَ كَفَرُوا) لأن المعنى : أن خلقه (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وغيرها قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين ، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم فهذا كما تقول : يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ، ثم تشتمني أي بعد وضوح هذا كله ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو ، لم يلزم التوبيخ كلزومه ب (ثُمَ) انتهى.