أن الضمير ضمير الأمر و (اللهُ) خبره يعلم (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) متعلق بيعلم والتقدير الله يعلم (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ).
ذهب الزجاج إلى أن قوله : (فِي السَّماواتِ) متعلق بما تضمنه اسم الله من المعاني ، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب. قال ابن عطية : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه ، ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله (وَهُوَ اللهُ) أي الذي له هذه كلها (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) كأنه قال : وهو الخالق الرازق والمحيي المحيط في السموات وفي الأرض كما تقول : زيد السلطان في الشام والعراق ، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا وإذا كان مقصد قولك زيد السلطان الآمر الناهي الناقض المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق ، فأقمت السلطان مقام هذه كلها كان فصيحا صحيحا فكذلك في الآية أقام لفظة (اللهُ) مقام تلك الصفات المذكورة ؛ انتهى. وما ذكره الزجاج وأوضحه ابن عطية صحيح من حيث المعنى ، لكن صناعة النحو لا تساعد عليه لأنهما زعما أن (فِي السَّماواتِ) متعلق بلفظ (اللهُ) لما تضمنه من المعاني ولا تعمل تلك المعاني جميعها في اللفظ ، لأنه لو صرح بها جميعها لم تعمل فيه بل العمل من حيث اللفظ لواحد منها ، وإن كان (فِي السَّماواتِ) متعلقا بها جميعها من حيث المعنى ، بل الأولى أن يعمل في المجرور ما تضمنه لفظ (اللهُ) من معنى الألوهية وإن كان لفظ (اللهُ) علما لأن الظرف والمجرور قد يعمل فيهما العلم بما تضمنه من المعنى كما قال : أنا أبو المنهال بعض الأحيان. فبعض منصوب بما تضمنه أبو المنهال كأنه قال أنا المشهور بعض الأحيان.
وقال الزمخشري نحوا من هذا قال : (فِي السَّماواتِ) متعلق بمعنى اسم الله ، كأنه قيل : وهو المعبود فيهما ومنه قوله (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (١) أي : وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها ، أو هو الذي يقال له : الله فيها لا يشرك في هذا الاسم ؛ انتهى ، فانظر تقاديره كلها كيف قدر العامل واحدا من المعاني لا جميعها ، وقالت فرقة (هُوَ) على تقدير صفة حذفت وهي مرادة في المعنى ، كأنه قيل : هو الله المعبود (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) وقدرها بعضهم وهو الله المدبر (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) ، وقالت فرقة : (وَهُوَ اللهُ) تم الكلام هنا. ثم استأنف ما بعده وتعلق المجرور ب (يَعْلَمُ)
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٤.