على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غالب الأحوال في صورة دحية ، وتارة ظهر له وللصحابة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة ، وفي الحديث : «وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا» ، وكما تصوّر جبريل لمريم بشرا سويا والملائكة أضياف إبراهيم وأضياف لوط ومتسوّر والمحراب ، فإنهم ظهروا بصورة البشر وإنما كان يكون بصورة رجل ، لأن الناس لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد ، ويؤيده هلاك الذي سمع صوت ملك في السحاب يقول : أقدم حيزوم فمات لسماع صوته فكيف لو رآه في خلقته. قال ابن عطية : ولا يعارض هذا برؤية النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل وغيره في صورهم ، لأنه عليهالسلام أعطى قوة يعني غير قوى البشر وجاء بلفظ رجل ردّا على المخاطبين بهذا ، إذ كانوا يزعمون أن الملائكة إناث. وقال القرطبي : لو جعل الله الرسول إلى البشر ملكا لفروا من مقاربته وما أنسوا به ، ولداخلهم من الرعب من كلامه ما يلكنهم عن كلامه ويمنعهم عن سؤاله ، فلا تعم المصلحة ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم لقالوا : لست ملكا وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم ؛ انتهى. وهو جمع كلام من قبله من المفسرين ، وفي هذه الآية دليل على من أنكر نزول الملائكة إلى الأرض وقالوا : هي أجسام لطيفة ليس فيها ما يقتضي انحطاطها ونزولها إلى الأرض ، ورد ذلك عليهم بأنه تعالى قادر أن يودع أجسامها ثقلا يكون سببا لنزولها إلى الأرض ثم يزيل ذلك ، فتعود إلى ما كانت عليه من اللطافة والخفة فيكون ذلك سببا لارتفاعها ؛ انتهى. هذا الردّ والذي نقول إن القدرة الإلهية تنزل الخفيف وتصعد الكثيف من غير أن يجعل في الخفيف ثقلا وفي الكثيف خفة وليس هذا بالمستحيل ، فيتكلف أن يودع في الخفيف ثقلا وفي الكثيف خفة ، وفي الآية دليل على إمكان تمثيل الملائكة بصورة البشر وهو صحيح واقع بالنقل المتواتر.
(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان : هذا إنسان وليس بملك ، فإني أستدل بأني جئت بالقرآن المعجز وفيه أني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا الرسل فخذلوا كما هم مخذولون ، ويجوز أن يكون المعنى (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ) حينئذ مثل (ما يَلْبِسُونَ) على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله قاله الزمخشري وفيه بعض تلخيص. وقال ابن عطية : ولخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم وضعفتهم ، أي : لفعلنا لهم في ذلك تلبسا يطرّق لهم إلى أن يلبسوا به وذلك لا يحسن ، ويحتمل الكلام مقصدا آخر أي (لَلَبَسْنا)