لا إيجاب لزوم. وقيل : قضاها وأنفذها. وقال الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض ، انتهى. و (الرَّحْمَةَ) هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا ، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا. وقيل : الألف واللام للعهد ، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة (الرَّحْمَةَ) التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة. وقال الزجاج : (الرَّحْمَةَ) إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا ، فلم يعاجلهم على كفرهم. وقيل : (الرَّحْمَةَ) لمن آمن وصدق الرسل. وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه ، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي.
(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر ، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرناه. وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة تقديره : أن يجمعكم ، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من (الرَّحْمَةَ) وهو مثل قوله (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (١) المعنى أن يسجنوه ، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم ، انتهى. وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد ، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحدا مما ذكر نحو قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) (٢) وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه ، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه ، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، فإذا قلت والله لأضربنّ زيدا ، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد والله لأضربنه ، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع والجمع هنا قيل حقيقة أي (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في القبور إلى يوم القيامة ، والظاهر أن (إِلى) للغاية والمعنى ليحشرنكم منتهين (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) وقيل : المعنى (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في الدنيا يخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة وقد
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٣٥.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٠.