تكون (إِلى) هنا بمعنى اللام أي ليوم القيامة ، كقوله تعالى : (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) (١) وأبعد من زعم أن (إِلى) بمعنى في أي في يوم القيامة وأبعد منه من ذهب إلى أنها صلة والتقدير (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) يوم القيامة ، والظاهر أن الضمير في (فِيهِ) عائد إلى يوم القيامة وفيه ردّ على من ارتاب في الحشر ويحتمل أن يعود على الجمع ، وهو المصدر المفهوم من قولهم (لَيَجْمَعَنَّكُمْ).
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) اختلف في إعراب (الَّذِينَ) فقال الأخفش : هو بدل من ضمير الخطاب في (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) وردّه المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز ، كما لا يجوز مررت بك زيد وردّ رد المبرد ابن عطية. فقال : ما في الآية مخالف للمثال لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني ، وإذا قلت مررت بك زيد فلا فائدة في الثاني ، وقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال (الَّذِينَ) من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب وخصوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا بدل البعض من الكل ، انتهى. وما ذكره ابن عطية في هذا الردّ ليس بجيد ، لأنه إذا جعلنا (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) يصلح لمخاطبة الناس كافة كان (الَّذِينَ) بدل بعض من كل ، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير ويقدر (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) منهم وقوله فيفيدنا إبدال (الَّذِينَ) من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب ، وخصوا على جهة الوعيد وهذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل فتناقض أول كلامه مع آخره لأنه من حيث الصلاحية ، يكون بدل بعض من كل ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل ، والمبدل منه متكلم أو مخاطب في جوازه خلاف مذهب الكوفيين والأخفش ، أنه يجوز ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز ، وهذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد فإنه إذ ذاك يجوز ، وهذا كله مقرر في علم النحو. وقال الزجاج : (الَّذِينَ) مرفوع على الابتداء والخبر قوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ودخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط كأنه قيل : من يخسر نفسه فهو لا يؤمن ، ومن ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة وأجاز الزمخشري أن يكون (الَّذِينَ) منصوبا على الذمّ أي : أريد (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ؛ انتهى وتقديره بأريد ليس بجيد إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم بأذم وأبعد من ذهب إلى أن موضع (الَّذِينَ) جر نعتا للمكذبين أو بدلا منهم.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩.