وقال الزمخشري (فإن قلت) : كيف جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرهم والأمر بالعكس؟ (قلت) : معناه (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله لاختيارهم الكفر (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ؛ انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : لاختيارهم الكفر.
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض ، ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار وإن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر ، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية وقدم المكان لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان وله قال الزمخشري وغيره ، هو معطوف على قوله (لِلَّهِ) والظاهر أنه استئناف إخبار وليس مندرجا تحت قوله : قل ، و (سَكَنَ) هنا قال السدّي وغيره : من السكنى أي ما ثبت وتقرر ، ولم يذكر الزمخشري غيره. قال : وتعديه ب (فِي) كما في قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) (١) وقالت فرقة : هو من السكون المقابل للحركة واختلف هؤلاء. فقيل : ثم معطوف محذوف أي وما تحرّك ، وحذف كما حذف في قوله : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٢) والبرد وقيل : لا محذوف هنا واقتصر على الساكن لأن كل متحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك. وقيل : لأن السكون أكثر وجودا من الحركة ، وقال في قوله : (وَالنَّهارِ) لأن من المخلوقات ما يسكن بالنهار وينتشر بالليل ، قاله مقاتل ، ورجح ابن عطية القول الأول. قال : والمقصد في الآية عموم كل شيء وذلك لا يترتب إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت ، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن ، ألا ترى أن الفلك والشمس والقمر والنجوم السائحة والملائكة وأنواع الحيوان متحركة ، والليل والنهار حاصران للزمان ؛ انتهى. وليس بجيد لأنه قال لا يترتب العموم إلا بأن يكون سكن بمعنى استقر وثبت ، ولا ينحصر فيما ذكر ، ألا ترى أنه يترتب العموم على قول من جعله من السكون وجعل في الكلام معطوفا محذوفا أي وما تحرك ، وعلى قول من ادعى أن كل ما يتحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك ، فكل واحد من هذين القولين يترتب معه العموم فلم ينحصر العموم فيما ذكر ابن عطية.
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لما تقدم ذكر محاورات الكفار المكذبين وذكر الحشر الذي فيه الجزاء ، ناسب ذكر صفة السمع لما وقعت فيه المحاورة وصفة العلم لتضمنها معنى الجزاء ، إذ ذلك يدل على الوعيد والتهديد.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٣.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٨١.