(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لما تقدّم أنه تعالى اخترع السموات والأرض ، وأنه مالك لما تضمنه المكان والزمان أمر تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك على سبيل التوبيخ لهم أي من هذه صفاته هو الذي يتخذ وليا وناصرا ومعينا لا الالهة التي لكم ، إذ هي لا تنفع ولا تضر لأنها بين جماد أو حيوان مقهور ، ودخلت همزة الاستفهام على الاسم دون الفعل لأن الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الولي كقولك لمن ضرب زيدا وهو ممن لا يستحق الضرب بل يستحق الإكرام أزيدا ضربت ، تنكر عليه أن كون مثل هذا يضرب ونحو ، (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (١) و (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) (٢) وقال الطبري وغيره : أمر أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم ، فتجيء الآية على هذا جوابا لكلامهم ، انتهى. وهذا يحتاج إلى سند في أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكره وانتصاب غير على أنها مفعول أول لا تخذ. وقرأ الجمهور (فاطِرِ) فوجهه ابن عطية والزمخشري ونقلها الحوفي على أنه نعت لله ، وخرجه أبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى أن الفضل بين المبدل منه والبدل أسهل من الفصل بين المنعوت والنعت ، إذ البدل على المشهور هو على تكرار العامل وقرأ ابن أبي عبلة برفع الراء على إضمار هو. قال ابن عطية : أو على الابتداء ؛ انتهى. ويحتاج إلى إضمار خبر ولا دليل على حذفه وقرئ شاذا بنصب الراء وخرجه أبو البقاء على أنه صفة لولي على إرادة التنوين أو بدل منه أو حال ، والمعنى على هذا أأجعل (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) غير الله ، انتهى. والأحسن نصبه على المدح. وقرأ الزهري فطر جعله فعلا ماضيا.
(وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) أي يرزق ولا يرزق كقوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٣) والمعنى أن المنافع كلها من عند الله ، وخص الإطعام من بين أنواع الانتفاعات لمس الحاجة إليه كما خص الربا بالأكل وإن كان المقصود الانتفاع بالربا. وقرأ مجاهد وابن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو وفي رواية عنه (وَلا يُطْعَمُ) بفتح الياء والمعنى أنه تعالى منزه عن الأكل ولا يشبه المخلوقين. وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة (وَلا يُطْعَمُ) بضم الياء وكسر العين مثل الأول فالضمير في (وَهُوَ يُطْعِمُ) عائد على الله وفي (وَلا يُطْعَمُ) عائد على الولي. وروى ابن المأمون عن يعقوب
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٦٤.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٥٩.
(٣) سورة الذاريات : ٥١ / ٥٧.