الشر ، لأن الشر أعم من الضر فأتي بلفظ الضر الذي هو أخص وبلفظ الخير الذي هو عام مقابل لعام تغليبا لجهة الرحمة. قال ابن عطية : ناب الضرّ هنا مناب الشر وإن كان الشر أعم منه ، فقابل الخير وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والضعة فإن باب التكلف في ترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضاهاة ، فمن ذلك (أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١) فجاء بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرئ القيس :
كأني لم أركب جواد اللذة |
|
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال |
ولم أسبا الزق الروي ولم أقل |
|
لخيلي كري كرة بعد إجفال |
انتهى. والجامع في الآية بين الجوع والعري هو اشتراكهما في الخلو فالجوع خلو الباطن والعري خلو الظاهر وبين الظمأ والضحاء اشتراكهما في الاحتراق ، فالظمأ احتراق الباطن ألا ترى إلى قولهم برد الماء حرارة جوفي والضحاء احتراق الظاهر والجامع في البيت الأول بين الركوب للذة وهي الصيد وتبطن الكاعب اشتراكهما في لذة الاستعلاء والاقتناص والقهر والظفر بمثل هذا الركوب ، ألا ترى إلى تسميتهم هن المرأة بالركب هو فعل بمعنى مفعول أي مركوب قال الراجز :
إن لها لركبا إرزبا |
|
كأنه جبهة ذرى حبا |
وفي البيت الثاني بين سبا الخمر والرجوع بعد الهزيمة اشتراكهما في البذل ، فشراء الخمر فيه بدل المال والرجوع بعد الانهزام فيه بذل الروح وما أحسن تعقل امرئ القيس في بيتيه ، حيث انتقل من الأدنى إلى الأعلى لأن الظفر بجنس الإنسان أعلى وأشرف من الظفر بغير الجنس ، ألا ترى أن تعلق النفس بالعشق أكثر من تعلقها بالصيد ولأن بذل الروح أعظم من بذل المال ، ومناسبة تقديم مس الضر على مس الخير ظاهرة لاتصاله بما قبله وهو الترهيب الدال عليه (قُلْ إِنِّي أَخافُ) وما قبله وجاء جواب الأول بالحصر في قوله : (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) مبالغة في الاستقلال بكشفه وجاء جواب الثاني بقوله : (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) دلالة على قدرته على كل شيء فيندرج فيه المس بخير أو غيره ، ولو قيل : إن الجواب محذوف لدلالة الأول عليه لكان وجها حسنا وتقديره فلا موصل له إليك إلا هو والأحسن تقديره ، فلا راد له للتصريح بما يشبهه في قوله وإن يردك بخير فلا راد لفضله ثم
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١١٨ ، ١١٩.