لا يجوز دعوة الله به لما لم يكن من الأسماء الحسنى ، ولتناوله المعدوم لقوله (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (١) فلا يفيد إطلاق شيء عليه امتياز ذاته على سائر الذوات بصفة معلومة ولا بخاصة مميزة ، ولا يفيد كونه مطلقا فوجب أن لا يجوز إطلاقه على الله تعالى ولقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وذات كل شيء مثل نفسه فهذا تصريح بأنه تعالى لا يسمى باسم الشيء ولا يقال الكاف زائدة لأن جعل كلمة من القرآن عبثا باطلا لا يليق ولا يصار إليه إلا عند الضرورة الشديدة. وأجيب بأن لفظ شيء أعم الألفاظ ومتى صدق الخاص صدق العامّ فمتى صدق كونه ذاتا حقيقة وجب أن يصدق كونه شيئا واحتج الجمهور بهذه الآية وتقريره أن المعنى أي الأشياء أكبر شهادة ، ثم جاء في الجواب (قُلِ اللهُ) وهذا يوجب إطلاق شيء عليه واندراجه في لفظ شيء المراد به العموم ولو قلت أي الناس أفضل؟ فقيل : جبريل لم يصح لأنه لم يندرج في لفظ الناس ، وبقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢) والمراد بوجهه ذاته والمستثنى يجب أن يكون داخلا تحت المستثنى منه فدل على أنه يطلق عليه شيء ولجهم أن يقول : هذا استثناء منقطع ، والدليل الأول لم يصرح فيه بالجواب المطابق إذ قوله : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) مبتدأ وخبر ذي جملة مستقلة بنفسها لا تعلق لها بما قبلها من جهة الصناعة الإعرابية بل قوله : (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) هو استفهام على جهة التقرير والتوقيف. ثم أخبر بأن خالق الأشياء والشهود هو الشهيد بيني وبينكم وانتظم الكلام من حيث المعنى فالجملة ليست جوابا صناعيا وإنما يتم ما قالوه لو اقتصر على (قُلِ اللهُ) ، وقد ذهب إلى ذلك بعضهم فأعربه مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما تقدم عليه والتقدير قل الله أكبر شهادة ثم أضمر مبتدأ يكون (شَهِيدٌ) خبرا له تقديره هو (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ولا يتعين حمله على هذا ، بل هو مرجوح لكونه أضمر فيه آخرا وأولا والوجه الذي قبله لا إضمار فيه مع صحة معناه فوجب حمل القرآن على الراجح لا على المرجوح. وقال ابن عباس : قال الله لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : قل لهم أي شيء أكبر شهادة فإن أجابوك وإلا فقل لهم : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ). وقال مجاهد : المعنى أن الله قال لنبيه : قل لهم : (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) وقل لهم (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي في تبليغي وكذبكم وكفركم.
وقال ابن عطية : هذه الآية مثل قوله : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) (٣) في أن
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٣.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٨٨.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٢.