(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) تقدم قول ابن عطية في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله تعالى ، وأمضاه ، وعلم المصلحة فيه.
وقال أيضا : و (مِنَ الْجاهِلِينَ) يحتمل في أن لا تعلم أن الله (لَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ويحتمل في أن تهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده ، وتذهب بك نفسك إلى ما لم يقدر الله ، انتهى. وضعف الاحتمال الأول بأنّه صلىاللهعليهوسلم مع كمال ذاته وتوفر معلوماته وعظيم اطّلاعه على ما يليق بقدرة الحقّ جلّ جلاله ، واستيلائه على جميع مقدوراته ، لا ينبغي أن يوصف بأنه جاهل بأنه تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى ، لأن هذا من قبيل الدين والعقائد ، فلا يجوز أن يكون جاهلا بها ، وكأن الزمخشري قد فسر قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) بأن تأتيهم آية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة فقال في قوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه. وأشار بذلك إلى الإتيان بالآية الملجئة إلى الإيمان وتقدم الكلام في الإلجاء.
وقيل : لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم ، وضعف بأن هذا ليس مما يجهله صلىاللهعليهوسلم.
وقيل لا تكوننّ ممن لا صبر له لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين ، وضعف بأنه تعالى قد أمره بالصبر في آيات كثيرة ومع أمر الله له بالصبر وبيان أنه خير يبعد أن يوصف بعد صبره بقلة الصبر.
وقيل : لا يشتد حزنك لأجل كفرهم فتقارب حال الجاهل بأحكام الله وقدره ، وقد صرح بهذا في قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (١) وقال قوم : جاز هذا الخطاب لأنه لقربه من الله ومكانته عنده كان ذلك حملا عليه كما يحمل العاقل على قريبه فوق ما يحمله على الأجانب ، خشية عليه من تخصيص الإذلال.
وقال مكي والمهدوي : الخطاب له والمراد به أمته ، وتمم هذا القول بأنه كان يحزنه إصرار بعضهم على الكفر وحرمانهم ثمرات الإيمان.
قال ابن عطية : وهذا ضعيف لا يقتضيه اللفظ ؛ انتهى.
وقيل : الرسول معصوم من الجهل والشك بلا خلاف ، ولكن العصمة لا تمنع
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٨٠.