«(فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) : ظاهره أن الضمير في فليكونوا عائد على الساجدين ، والمعنى : أنهم إذا فرغوا من السجود انتقلوا إلى الحراسة فكانوا وراءكم. وقال الزمخشري : فليكونوا يعني : غير المصلين من ورائكم يحرسونكم ، وجوز الوجهين ابن عطية ، قال : يحتمل أن يكون الذين سجدوا ، ويحتمل أن تكون الطائفة القائمة أولا بإزاء العدوّ. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق : فلتقم بكسر اللام. وقرأ أبو حيوة : وليات بياء بثنتين تحتها على تذكير الطائفة ، واختلف عن أبي عمرو ، في إدغام التاء في الطاء. وفي قوله : فلتأت طائفة ، دليل على أنهم انقسموا طائفتين : طائفة حارسة أولا ، وطائفة مصلية أولا معه ، ثم التي صلت أولا صارت حارسة ، وجاءت الحارسة أولا فصلت معه. والظاهر أنّ الأمر بأخذ الأسلحة واجب ، لأنّ فيه اطمئنان المصلي ، وبه قال : الشافعي وأهل الظاهر. وذهب الأكثرون إلى الاستحباب.
ودلت هذه الكيفية التي ذكرت في هذه الآية على أنّ طائفة صلت مع الرسول صلىاللهعليهوسلم بعض صلاة ، ولا دلالة فيها على مقدار ما صلت معه ، ولا كيفية إتمامهم ، وإنما جاء ذلك في السنة. ونحن نذكر تلك الكيفيات على سبيل الاختصار ، لأنها مبينة ما أجمل في القرآن. الكيفية الأولى : صلت طائفة معه ، وطائفة وجاه العدو ، وثبتت قائمة حتى تتم صلاتهم ويذهبوا وجاه العدوّ ، وجاءت هذه التي كانت وجاه العدوّ أولا فصلى بهم الركعة التي بقيت ، ثم ثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم ، ثم سلم بهم ، وهذه كانت بذات الرقاع. الكيفية الثانية : كالأولى ، إلا أنه حين صلى بالطائفة الأخيرة ركعة سلم ، ثم قضت بعد سلامه. وهذه مروية في ذات الرقاع أيضا. الكيفية الثالثة : صف العسكر خلفه صفين ، ثم كبر وكبروا جميعا ، وركعوا معه ، ورفعوا من الركوع جميعا ، ثم سجد هو بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم ، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين ، ثم ركعوا معه جميعا ، ثم سجد فسجد معه الصف الذي يليه ، فلما صلى سجد الآخرون ، ثم سلم بهم جميعا. وهذه صلاته بعسفان والعدو في قبلته. الكيفية الرابعة : مثل هذا إلا أنه قال : ينكص الصف المتقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود ، ويتقدم الآخر فيسجدون في مصاف الأولين. الكيفية الخامسة : صلى بإحدى الطائفتين ركعة ، والأخرى مواجهة العدوّ ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدوّ ، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم ، ثم قضى بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد. الكيفية السادسة : يصلي بطائفة