خاطبهم تعالى بقوله (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) الآية. وأخبر أنهم عند الأزمات لا يدعون لكشفها إلا الله تعالى ، وفي الكلام حذف التقدير ولقد أرسلنا الرسل إلى أمم من قبلك فكذبوا فأخذناهم وتقدم تفسير البأساء والضراء والترجي هنا بالنسبة إلى البشر أي لو رأى أحد ما حل بهم لرجا تضرعهم وابتهالهم إلى الله في كشفه ، والأخذ الإمساك بقوة وبطش وقهر وهو هنا مجاز عن متابعة العقوبة والملازمة والمعنى لعاقبناهم في الدنيا.
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) لو لا هنا حرف تحضيض يليها الفعل ظاهرا أو مضمرا ويفصل بينهما بمعمول الفعل من مفعول به وظرف كهذه الآية ، فصل بين (فَلَوْ لا) و (تَضَرَّعُوا) بإذ وهي معمولة لتضرعوا ، والتحضيض يدل على أنه لم يقع تضرعهم حين جاء البأس فمعناه إظهار معاتبة مذنب غائب وإظهار سوء فعله ليتحسر عليه المخاطب وإسناد المجيء إلى البأس مجاز عن وصوله إليهم والمراد أوائل البأس وعلاماته.
(وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي صلبت وصبرت على ملاقاة العذاب لما أراد الله من كفرهم ، ووقوع (لكِنْ) هنا حسن لأن المعنى انتفاء التذلل عند مجيء البأس ووجود القسوة الدالة على العتو والتعزز فوقعت (لكِنْ) بين ضدين وهما اللين والقسوة ، وكذا إن كانت القسوة عبارة عن الكفر فعبر بالسبب عن المسبب والضراعة عبارة عن الإيمان فعبر بالسبب عن المسبب كانت أيضا واقعة بين ضدين تقول : قسا قلبه فكفر وآمن فتضرع.
(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يحتمل أن تكون الجملة داخلة تحت الاستدراك ويحتمل أن تكون استئناف إخبار ، والظاهر الأول فيكون الحامل على ترك التضرع قسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي كان الشيطان سببا في تحسينها لهم.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي فلما تركوا الاتعاظ والازدجار بما ذكروا به من البأس استدرجناهم بتيسير مطالبهم الدنيوية وعبر عن ذلك بقوله : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) إذ يقتضي شمول الخيرات وبلوغ الطلبات.
(حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) معنى هذه الجمل معنى قوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (١) وفي الحديث الصحيح عن عقبة بن عامر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم» ثم تلا (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) الآية ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٧٨.