حكى أبو زيد : لقيته فينة غير مصروف ولقيته الفينة بعد الفينة أي الحين بعد الحين ولما خفيت هذه اللغة على أبي عبيد أساء الظن بمن قرأ هذه القراءة فقال : إنما نرى ابن عامر والسلمي قرآ تلك القراءة اتباعا للخط وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها ، لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا العرب ؛ انتهى. وهذا من أبي عبيد جهل بهذه اللغة التي حكاها سيبويه والخليل وقرأ بها هؤلاء الجماعة وكيف يظن بهؤلاء الجماعة القرّاء أنهم إنما قرؤوا بها لأنها مكتوبة في المصحف بالواو والقراءة إنما هي سنة متبعة وأيضا فابن عامر عربي صريح كان موجودا قبل أن يوجد اللحن لأنه قرأ القرآن على عثمان بن عفان ونصر بن عاصم أحد العرب الأئمة في النحو ، وهو ممن أخذ علم النحو عن أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو والحسن البصري من الفصاحة بحيث يستشهد بكلامه فكيف يظن بهؤلاء إنهم لحنوا؟ انتهى. واغتروا بخط المصحف ولكن أبو عبيدة جهل هذه اللغة وجهل نقل هذه القراءة فتجاسر على ردها عفا الله عنه ، والظاهر أن العشي مرادف للعشية ألا ترى قوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) (١). وقيل : هو جمع عشية ومعنى (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) يخلصون نياتهم له في عبادتهم ويعبر عن ذات الشيء وحقيقته بالوجه. وقال ابن عباس : يطلبون ثواب الله والجملة في موضع الحال وقد استدل بقوله : (وَجْهَهُ) من أثبت الأعضاء لله تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال الحسن والجمهور : الحساب هنا حساب الأعمال. وقيل : حساب الأرزاق أي لا ترزقهم ولا يرزقونك حكاه الطبري. وقال الزمخشري : كقوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) (٢) وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم فقال : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بعد شهادته لهم بالإخلاص وبإرادة وجه الله تعالى في أعمالهم وإن كان الأمر كما يقولون عند الله ، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر والاتسام بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك ، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم كقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣) ؛ انتهى. ولا يمكن ما ذكره من الترديد في قوله : وإن كان الأمر إلى آخره لأنه تعالى قد أخبر بأنهم (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وإخبار الله
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٣١.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ١١٣.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤.