تعالى هو الصدق الذي لا شك فيه فلا يقال فيهم وإن كان الأمر كما يقولون وإن كان لهم باطن غير مرضي لأنه فرض مخالف لما أخبر الله تعالى به من خلوص بواطنهم ونياتهم له تعالى.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : ما كفى قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) حتى ضم إليه (ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (قلت) : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصدهما مؤدّى واحد وهو المعنى في قوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه ؛ انتهى. وقوله : كأنه قيل لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه تركيب غير عربي ، لا يجوز عود الضمير هنا غائبا ولا مخاطبا لأنه إن أعيد غائبا فلم يتقدّم له اسم مفرد غائب يعود عليه ، إنما يتقدّم قوله : ولاهم ولا يمكن العود إليه على اعتقاد الاستغناء بالمفرد عن الجمع لأنه يصير التركيب بحساب صاحبهم وإن أعيد مخاطبا فلم يتقدّم له مخاطب يعود عليه إنما تقدم قوله : لا تؤاخذ أنت ، ولا يمكن العود إليه لأنه مخاطب فلا يعود عليه غائبا ولو أبرزته مخاطبا لم يصح التركيب أيضا وإصلاح هذا التركيب أن يقال : لا يؤاخذ كل واحد منك ولا منهم بحساب صاحبه أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ولا هم بحسابك ، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم فتغلب الخطاب على الغيبة كما تقول أنت وزيد تضربان ، والظاهر أن الضمائر كلها عائدة على (الَّذِينَ يَدْعُونَ). وقيل : الضمير في (مِنْ حِسابِهِمْ) وفي (عَلَيْهِمْ) عائد على المشركين وتكون الجملتان اعتراضا بين النهي وجوابه ، قال الزمخشري : والمعنى لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الضمير في (حِسابِهِمْ) و (عَلَيْهِمْ) للكفار الذين أرادوا طرد المؤمنين أي ما عليك منهم آمنوا ولا كفروا فتطرد هؤلاء رعيا بذلك ، والضمير في تطردهم عائد على الضعفة من المؤمنين ويؤيد هذا التأويل أن ما بعد الفاء أبدا سبب ما قبلها وذلك لا يبين إذا كانت الضمائر كلها للمؤمنين. وحكى الطبري أن الحساب هنا إنما هو في رزق الدنيا أي لا ترزقهم ولا يرزقونك ، قال : فعلى هذا تجيء الضمائر كلها للمؤمنين ؛ انتهى.
و (مِنْ) في (مِنْ حِسابِهِمْ) وفي (مِنْ حِسابِكَ) مبعضة في موضع نصب على الحال في (مِنْ حِسابِهِمْ) وذو الحال هو (مِنْ شَيْءٍ) لأنه لو تأخر من حسابهم لكان في موضع النعت لشيء فلما تقدّم انتصب على الحال و (عَلَيْكَ) في موضع الخبر لما إن كانت حجازية ، وأجزنا توسط خبرها إذا كانت ظرفا أو مجرورا وفي موضع خبر